شبهة المرجئة في قياس إخفاء الإيمان على إخفاء النفاق
هناك شبهة تشكل على المرجئة وعلى غيرهم، وهي أنهم يقولون: ماذا تقولون في الإنسان الذي يأتي بأعمال الجوارح كلها؛ لكنه في الباطن منافق؛ فهو لم يصدق ولم يخلص دينه لله؛ وهو من المنافقين النفاق الأكبر، الذين قال الله تعالى فيهم: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ))[النساء:145].
وهنا أذكر مقولة للفضيل بن عياض يقول: [[كانوا يراءون -يعني المنافقين الأولين- بما يعملون، فأصبحنا في زمان يرائي أحدهم بما لم يعمل]] فنفاق المتأخرين أشد من نفاق المتقدمين نسأل الله العفو والعافية؛ فيأتي من لم يؤمن بالله ولم يصدق برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يقول: دافعنا عن الدين وفعلنا وفعلنا، وما أكثر هؤلاء! سواء من كان منهم على النفاق الأكبر الجلي، أو من كان دون ذلك، فكله نفاق عافانا الله منه؛ فيقول هؤلاء المرجئة : يتصور أن يأتي المرء بالأعمال الظاهرة كلها وهو في الباطن كافر غير مصدق؛ فما المانع أن توجد الأعمال القلبية الباطنة، ولا توجد الأعمال الظاهرة عند شخص فيكون مخبتاً منيباً خاشعاً متقياً مؤمناً، من أهل الدرجات العلى، ولكنه لا يصلي ولا يزكي ولا يحج؟!
نقول لهم: هذا القياس فاسد قطعاً؛ لأنه لا يمكن أن يتصور من يعمل بخلاف ما يعتقد، ولا يتصور أن إنساناً يعتقد شيئاً اعتقاداً جازماً، ويريده إرادة تامة جازمة، ولا يفعل من مقتضى ذلك الأمر شيئاً؛ بل لابد أن يظهر هذا الاعتقاد على الجوارح، فلا يمكن للمسلم أن يعمل بخلاف ما يعتقده ((إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيْمَان))[النحل:106] كمؤمن آل فرعون : ((وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ))[غافر:28] فهذه حالة استثنائية.
أما قولهم: كما أنه يمكن أن يأتي المرء بالعمل الظاهر المخالف لما في الباطن، فكذلك يمكن أن يأتي المرء بالعمل الباطن من غير الظاهر، نقول: لا يمكن ذلك أبداً، ثم نحن لا نعرف ما في قلوب الناس.