وعن أيوب السختياني رضي الله عنه قال: قال لي أبو قلابة : [[يا أيوب ! احفظ عني أربعاً: لا تقولن في القرآن برأيك، وإياك والقدر، وإذا ذكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأمسك، ولا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك]] والشاهد في الوصية الرابعة: [[ولا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك]] ؛ لأنهم يؤدون إلى الفتنة كما ذكرنا سابقاً، وكما يقول ابن أبي العز رحمه الله تعالى في شرح الطحاوية : "ولهذا ذم السلف أهل الأهواء، وذكروا أن آخر أمرهم السيف" وسيأتي لهذا المعنى زيادة بيان، إن شاء الله تعالى.
فأهل الأهواء أول ما يبدءون بالغلو في جانب والتفريط في جانب، ثم البدعة في جانب، حتى يصل الأمر إلى استحلال دماء المسلمين من أجل هذه البدعة، وهنا ذكر اللالكائي في كتابه أثراً ذكر فيه أنه : [[ما ابتدع قوم بدعة إلا استحلوا السيف]] وذكر أثراً قال: [[كان أيوب يسمي أهل الأهواء كلهم خوارج]] ويقول: [[إن الخوارج اختلفوا في الاسم واجتمعوا على السيف]].
ومعنى كلامه: أن جميع الفرق التي فارقت أهل السنة والجماعة قد خرجت عن الصراط المستقيم، فهم بهذا الاعتبار خوارج ؛ لأنهم فارقوا أهل السنة والجماعة، وفارقوا الصراط المستقيم الذي قال الله تبارك وتعالى فيه: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ))[الأنعام:153] وقال: ((وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ))[آل عمران:105] وقال: ((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ))[الأنعام:159].
وقوله: (اختلفوا في الاسم واجتمعوا على السيف) كلام سديد؛ فزعيم الجهمية الجهم بن صفوان خرج لقتال بني أمية مع الثوار حتى قتله سلم بن أحوز، وكان الجهم يعتقد الإرجاء، ويرى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب فقط، وكذلك الرافضة والصوفية يقاتلون ويخرجون بالسيف.
فليس هناك أهل بدعة إلا ويمكن أن ينتهي أمرهم إلى أن يستحلوا دماء المسلمين، فإذاً مهما اختلفت الأسماء فإنهم يجتمعون على السيف.
وفي الأثر التالي قال عبد الرزاق : حدثنا معمر، قال: [[كان ابن طاوس جالساً، فجاء رجل من المعتزلة، قال: فجعل يتكلم. قال: فأدخل ابن طاوس إصبعيه في أذنيه وقال لابنه: أي بني! أدخل إصبعيك في أذنيك، واشدد،لا تسمع من كلامه شيئاً قال معمر: يعني أن القلب ضعيف]] أي: وقد تدخله شبهة فلا تخرج.
وليعلم أن اليهود والنصارى قد حذر الله منهم في القرآن؛ ولكن شبهات أهل البدع أخطر، ولو جاء من يقول: اليهود والنصارى يعلم كل مسلم أنهم على ضلال وأنهم في النار، ومع هذا لو سمع المسلم كلامهم، فإنه لا يتأثر في الغالب، أو ليس أهل البدع أخف منهم؟ فالجواب ما ذكر من وجود حاجز طبيعي بين القلب وبين كلام اليهود والنصارى، بخلاف أهل البدع.
ثم ذكر أثراً عن عبد الرزاق الصنعاني أنه قال: قال لـ إبراهيم بن أبي يحيى : [[إني أرى المعتزلة عندكم كثير! قال: نعم. وهم يزعمون أنك منهم]].
ومن قرأ كتاب المنية والأمل في طبقات المعتزلة فسيجد أن الطبقة الأولى من المعتزلة فيهم: أبو بكر وعمر وعلي، ومن قرأ كتاب حلية الأولياء وهو يتكلم عن الصوفية فسيجد أن أول الصوفية الذين يذكرهم أبو نعيم هم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وهذا الخطأ دخل عليه من ظنه أن التصوف هو الإسلام، والشاهد من هذا أنه قد يلبس على الإنسان، فيظن أن أهل البدع هم الكثرة.
وقديماً اتهم الحسن البصري أنه من القدرية ؛ بسبب كتاب كتبه إلى عمر بن عبد العزيز بيّن فيه مذهب أهل السنة في القدر، فأخذوا يشيعون أن الحسن البصري من القدرية، وعابه بعض الناس بذلك، وقالوا عن عبد الرزاق إنه من المعتزلة، وعابه بعض الناس.. وهكذا قد يبتلى بعض أهل السنة بأن ينسبوا إلى بعض البدع.
وقال عبد الرزاق : [[قال لي: إبراهيم بن أبي يحيى: أفلا تدخل معي هذا الحانوت حتى أكلمك؟ قلت: لا، قال: لم؟ قلت: لأن القلب ضعيف، وإن الدين ليس لمن غلب]].