أورد اللالكائي عن الصحابة الكرام كثيراً من الآثار، من ذلك ما ذكره عن مجاهد قال: [[قيل لـابن عمر : إن نجدة يقول كذا وكذا، فجعل لا يسمع منه؛ كراهية أن يقع في قلبه منه شيء]] ونجدة هذا هو نجدة بن عامر الحنفي زعيم النجدات وهم من أشد طوائف الخوارج غلواً، والذي يعرض عن سماع ما يقال عن نجدة ويخشى أن يقع في قلبه منه شيء هو عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
فهؤلاء الصحابة الكرام أبعد الناس عن الشبهات والبدع، وأبعد الناس عن مخالفة السنة وأقوى الناس وأثبتهم إيماناً وأحرصهم على الهدى، ومع ذلك يخافون أن يقع في قلوبهم شيء مما ينقل عن نجدة بن عامر الحنفي، ومع ذلك تجد بعض الناس يحب أن يسمع كلام أهل البدع، بل ربما دافع عنهم، بل ربما نشر كتبهم وآراءهم، والعياذ بالله.
ونقل رحمه الله أثراً روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وروي أيضاً عن علي رضي الله عنه يقول فيه: [[سيأتي أناس يجادلونكم بالقرآن -أو بمتشابه القرآن- خذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله]] .
وبهذا الأثر نستدل على أن السلف لم ينهوا عن المجادلة مطلقاً، ولكنهم علمونا كيف نجادل ومتى نجادل، وحذرونا من الاستماع إلى أهل البدع، فهذا له مقام وذاك له مقام، فمن كان متصدياً أو متصدراً للمعركة مع أهل البدع؛ فلابد له أن يعرف أقوالهم لكي يرد عليهم، ولكن الرد يكون على منهج مرسوم وسنة متبعة في مجادلة أهل البدع والرد عليهم، وتقريرهم بالحق الذي يجادلون فيه بمتشابه القرآن، أو في القرآن عموماً كما مر.
ثم ذكر رحمه الله تعالى أثراً عن علي رضي الله عنه قال: [[إياكم والخصومة؛ فإنها تمحق الدين]]. وذلك أن الرجل قد يتكلم بكلام ربما رجع عنه، فإذا وجد من يخاصمه فيه أصر عليه وبحث له عن علل وأدلة عناداً وانتصاراً للنفس.
وكذلك ذكر أثراً عن ابن عباس رضي الله عنه قال: [[أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم بما هلك من كان قبلهم: بالمراء والخصومات]].