الرفق في التعامل والجدال مع طالبي الحق
إن من كان طالباً للحق من أي فئة.. من أي فرقة.. من أي دين.. يجب أن يُرفق به حتى يتبين له الحق، -مثلاً- لما قدم عدي بن حاتم رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم بسبب أسر أخته، قدم والصليب معلق على صدره؛ ليظهر تمسكه بدينه، فأكرمه النبي صلى الله عليه وسلم وأحسن وفادته، فلما قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: {((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ))[التوبة:31] قال عدي : ما عبدناهم، قال: أليسوا يحلون لكم الحرام ويحرمون عليكم الحلال فتتبعوهم؟ قال: بلى، قال: فتلك عبادتكم إياهم} وهذا معروف عند النصارى إلى الآن، فالبابا في روما يحرم الطلاق، ويحرم الختان وهو مذكور في التوراة، ويحل الميتة وهي محرمة في التوراة.. إلخ فما كان من عدي بعد ذلك إلا أن أسلم وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم، قائلاً: {أمط عنك هذا الوثن} أي: الصليب. وهكذا ناظر النبي صلى الله عليه وسلم وفد نجران، كما أمره ربه سبحانه وتعالى في القرآن، حتى إن أحدهم أخذ ينشد ويرتجز وهو على ناقته:
إليك تغدو قلقا وضينها مخالفاً دين النصارى دينها
فهذا الرجل: أسلم وآمن بالله سبحانه وتعالى لما عرف الحق، فطالب الحق كائناً من كان -ولو كان يهودياً أو نصرانياً أو شيوعياً- نترفق به ونحسن إليه، حتى نوضح له الحق، أما المعاند فالنبي صلى الله عليه وسلم هو نبي الرحمة ونبي الملحمة، ونحن أرحم الناس بالشعوب، فإذا عاندت وأبت وأصرت على محادة الله ورسوله، ولم تخضع لأحكام الله وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم أو احتقرت ذلك، ولم تحرم ما حرم، وتحل ما أحل بعد قيام الحجة؛ فإننا نؤدبها بالسيف، بأقسى ما يمكن من العقوبة، ولذلك قال المصنف رحمه الله: "وليس إذا أخطأ يقال: إنه كافر؛ قبل أن تقام عليه الحجة التي حكم الرسول صلى الله عليه وسلم بكفر من تركها".