لما كان القرآن عربياً ونزل على أفصح العرب صلوات الله وسلامه عليه، فتلقاه أفصح الناس بعده، وهم الصحابة الكرام، فلا يجوز لنا العدول عن فهمهم للقرآن؛ لا بجدال ولا بمراء؛ لأنه إن كان تفسيره بالقرآن، فهم أفهم منا للقرآن، وإن كان تفسيره بالسنة، فالسنة إنما نقلت عن طريقهم، وإن كان تفسير القرآن يفسر بكلام الصحابة والتابعين، فهم الصحابة والتابعون، وإن كان بكلام العرب فهم أفصح العرب وأعلمهم باللغة؛ فانحصرت طرق تفسير القرآن جميعاً في فهمهم، فنفهمه كما فهموه.
يقول الشاطبي : "وإذا ثبت هذا، صح منه أن القرآن في نفسه لا اختلاف فيه" أي: لا يوجد فيه تناقض، قال تعالى: ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا))[النساء:82] ثم يقول: "ثم نبني على هذا معنى آخر، وهو أنه لما تبين تنزهه عن الاختلاف، صح أن يكون حكماً بين جميع المختلفين؛ لأنه إنما يقرر معنى هو الحق، والحق لا يختلف في نفسه؛ فكل اختلاف صدر من مكلف، فالقرآن هو المهيمن عليه".
أي: لا نجادل في القرآن ولا نضرب بعضه ببعض؛ لأن القرآن هو الذي يحسم الجدل، ويقطع النزاع؛ فلا نجعله هو مادة للنزاع والجدل.
وهذا فرق كبير جداً بين أهل البدع وأهل السنة ؛ فأهل البدع جعلوا القرآن نفسه موضع جدل؛ فمن يحكم بينهم إن كان القرآن هو موضع الجدل بذاته؟! وأما أهل السنة فجعلوا القرآن حكماً يفصل بين الخلق فيما يتنازعون فيه.