قول أهل السنة والجماعة في كلام الله
ومذهب أهل السنة في هذه المسألة كما تقدم من كلام المصنف: أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وهو يتكلم به بصوت يُسمع، وهذا قول أهل السنة ولا بأس أن نشرحه.
قولهم: (لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء)، فهو: ((فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ))[هود:107].
(وهو يتكلم به بصوت يسمع) هذا رد على من قال: إن الكلام هو الكلام النفسي، فإن الله تعالى لما كلم موسى عليه السلام كلمه بصوت سمعه موسى، وعندما ينادي يوم القيامة، كما جاء في الحديث الصحيح: {فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب} وهذا من اختصاص كلام الله وصوت الله تعالى، وأما غيره فلا يتحقق فيه هذا.
وهنا عبارة قد تشكل، وهي قول البعض: (وإن نوع الكلام قديم، وإن لم يكن الصوت المعين قديماً) معنى قديم: لا أول له، أي: أنه أزلي، والكرامية تقول: إنه تعالى لم يكن متكلماً ثم تكلم، وهو معنى قولهم: (إنه تحول من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي) وقولهم هذا مخالف لقول أهل السنة؛ فـأهل السنة يعتقدون أن الله تعالى متصف بصفات الكمال أزلاً، وهو الأول والآخر، فهو يتكلم، ونوع الكلام قديم ليس له أول، أما آحاده فلا، ويدل على هذا كلام المصنف السابق: (وإن لم يكن الصوت المعين قديماً) يعني: أن الكلام الذي تكلم الله به مع موسى عليه السلام -مثلاً- لا نقول: إنه كلام أزلي قديم، إنما تكلم به الله بعد أن لم يكن قد تكلم به، والكلام الذي يتكلم به يوم القيامة، فإنه يتكلم به بعد أن لم يكن قد تكلم به، وفي هذا رد على من زعم أنها حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل، وأن كلام الله قديم النوع وقديم الآحاد.
والحق الذي عليه أهل السنة أن النوع قديم أما الآحاد فمتجددة.
والقديم هو بمعنى اسمه الأول، وإن كان الأولى أن نقول: صفات أزلية، أو لا أول لها، ولكن بعض علماء أهل السنة يستخدمون كلمة (قديم)، ومنهم المصنف ابن أبي العز رحمه الله؛ لأنها اشتهرت عند العلماء بمعنى الأول؛ لا بمعنى ما يقابل الجديد، ولا بمعنى أنه متقدم على غيره.