وعندنا تنبيه ينبغي للقارئ أن يفهمه وهو: أن شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه عندما يذكر كلام الجنيد والنوري والشبلي، ومن بعدهم كـعبد القادر الجيلاني وعدي بن مسافر وأشباههم، فهو ينقل عنهم أنهم كانوا يقولون: لابد من الالتزام بالسنة، ولا نقبل شيئاً إلا إذا كان موافقاً للكتاب والسنة ونحو ذلك.
حتى إن الشبلي لما احتضر قال لغلامه: أعطني ماءً لأتوضأ؛ فقرب له ماءً، فوضأه غلامه ولم يخلل لحيته، فقال له: خلل لحيتي، ثم توجه ومات؛ فقالوا: رجل لم يترك هذه السنة عند موته فكيف يتهم أنه تارك للسنة؟
ولذلك فـشيخ الإسلام رحمه الله يلزم أتباعهم بمثل هذه العبارات والنقولات، ويقول لهم: أنتم تركتم الجمع والجماعات، واستحللتم المحرمات، وارتكبتم الموبقات، ثم تنتسبون إلى هؤلاء، وهؤلاء كان فيهم ولاية، وكان فيهم صلاح ودين، فانظروا إلى أقوالهم وأفعالهم.
وتجده أحياناً عندما يكون الخطاب من باب آخر -غير باب الدعوة- يتكلم عنهم كلاماً مجرداً فيقول: وقد ضل بهذا أقوام وغلطوا حتى وصلوا إلى الشرك. ثم يذكر أقوالهم، وقد ينسبها وقد لا ينسبها؛ لأنه لا يهمه هنا إلا بيان بطلان القول، وفي المقام الآخر يهتم باستجابة الأتباع، فمثلاً عبد القادر الجيلاني يعبد من دون الله، فكثير من الحجاج من إفريقيا وغيرها مع فقرهم وحاجتهم يحجون ثم يذهبون إلى بغداد من أجل أن يتموا الحج عند قبر عبد القادر الجيلاني .
فإذا أراد إنسان أن يحتج على بطلان فعلهم فليأتهم بما قاله الشيخ عبد القادر الجيلاني في الغنية أو في غيرها، وأنت من باب الدعوة وإلزام هذا الإنسان تخاطبه بكلام إمامه، بينما قد ينقل عن عبد القادر الجيلاني كلاماً لا يمكن السكوت عليه، فمقام الحكم على الرجل شيء، ومقام دعوة أتباعه المنتسبين إليه إلى حقيقة التوحيد شيء آخر. فهذا مقام وذاك مقام، ولكل مقام مقال.