الاكتفاء في الحكم على المرء بما يظهر من قوله وفعله
ثم قال الحافظ رحمه الله: "وفيه -أي الحديث- الاكتفاء في قبول الإيمان بالاعتقاد الجازم، خلافاً لمن أوجب تعلم الأدلة" وفي هذا رد على أهل الكلام الذين يقولون: يجب على الإنسان كي يكون مسلماً أن يقول ولو مرة واحدة في عمره: هذا العالم حادث، والحادث لابد له من محدث، إذاً: الله موجود، ولكن نقول:
أولاً: الفطرة موجودة في الإنسان وهو لا يزال طفلاً، ففي فطرته أن لكل شيء من هذه المخلوقات خالقاً وصانعاً، فإذا قلت له: الله هو خالق هذه المخلوقات ؛ فيبقى في شعوره أن الله سبحانه وتعالى هو أقوى من كل أحد، وأكبر وأعظم من كل أحد؛ بل كل الأسباب تنتهي إليه: ((وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى))[النجم:42] فمهما قلت من أسباب، وأنها أسباب، وللأسباب أسباب، فكلها تنتهي إلى الله سبحانه، فالفطرة موجودة، والنظر الفطري موجود، فالإنسان إذا رأى الكون وتفكّر فيه: ((وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ))[الذاريات:21]، ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ))[فصلت:53] إذا رأى ذلك يقول: لا إله إلا الله، فينطق بفطرته بالإيمان.
فهذا غاغارين لما أرسلوه إلى الفضاء لأول مرة، نسي أنه شيوعي، وأن الحزب يراقبه في الأرض! نسي كل شيء وقال: لابد أن لهذا الكون خالقاً، فالفطرة تنطق وتزيل الغشاوات التي تغشى عليها، إذاً المقصود بالاكتفاء هنا: أي: الاكتفاء بأن يظهر ما يدل على صدق إيمانه واعتقاده لنحكم له بالإيمان، ومن آمن إيماناً صادقاً فإنه سبحانه وتعالى يقبل إيمانه وإن لم يأت على طريقة المتكلمين، ورحمة الله تعالى أوسع من أن يحجر الناس على أن لا يؤمنوا إلا على طريقة العلاف أو النظام أو أمثالهما من المبتدعين.