أهل القبلة يدخل فيهم أصحاب الأهواء والفرق، أي: نحن نسميهم مسلمين، ثم نصفهم بما هم عليه، فلا نخرجهم من الملة وإن كانوا من أهل البدع والأهواء والكبائر، إلا من اعتقد أو ابتدع بدعة مغلظة كفرية يخرج بسببها عن الإسلام، فهذا له حكم آخر ؛ ولكن المقصود أن المسلمين من أهل القبلة لهم اسم الإسلام أو اسم الإيمان، ولا نسلب عنهم اسم الإيمان أو الإسلام ولا نخرجهم من الدين ؛ إلا من أتى منهم بمكفر يخرج به من الملة؛ لذلك المصنف رحمه الله شرح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {
من صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم له ما لنا وعليه ما علينا} هذا الحديث الصحيح الذي رواه الإمام
البخاري رحمه الله عن
أنس رضي الله تعالى عنه هو حجة في هذا الباب، ودليل لـ
أهل السنة والجماعة في تسمية أهل القبلة مسلمين، وفي إعطائهم حقوق الإسلام، وأن لا ينزع منهم هذا الحق، ولا تنزع منهم العصمة إلا بحق الإسلام أيضاً، لا بمجرد الهوى والتشهي.
يقول المصنف: "ويشير الشيخ رحمه الله بهذا الكلام إلى أن الإسلام والإيمان واحد" وحديث
أنس رضي الله تعالى عنه ذكر أولاً: {
من صلّى صلاتنا} ولهذا يقول
الطحاوي: [ونسمي أهل قبلتنا] والكلام في أهل القبلة المصلين، حتى
الأشعري رحمه الله لما صنف كتابه في اختلاف الفرق، سماه:
مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، وعلى هذا فمن لم يصل فليس بمسلم، ولا يسمى من أهل القبلة، فديننا يعلق الأحكام على الأمور الظاهرة الجلية، وأوضح هذه الشعائر الظاهرة بعد الشهادتين هي الصلاة، فإن الشهادتين كثير من يتلفظ بها، ويدعي الإسلام، ولو كان منافقاً؛ لكن الصلاة مفرق ومعلم واضح يعرف بها المسلم من الكافر، ولهذا قال: [ونسمي أهل قبلتنا].
إذاً: أهل القبلة المقصود بهم أهل الصلاة، والذين لا يصلون خارجون عن هذه الأحكام؛ لأنهم ليسوا من أهل الإسلام.
قال: {
واستقبل قبلتنا} وهذا زيادة في الإيضاح: بأن المستقبل لقبلتنا قد فارق الملل والقبلات الأخرى، كما ذكر الله سبحانه وتعالى في آيات القبلة.. ((
سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا))[البقرة:142] فقد شكك اليهود في دين الله بسبب ترك المسلمين للقبلة الأولى التي كانوا عليها، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل هذا معلماً واضحاً جلياً قائماً على أننا فارقنا تلك الأمم وفارقنا أهل الكتاب في كفرهم ؛ فلسنا متبعين لقبلتهم، وليسوا متبعين لقبلتنا، فنحن على قبلة وهم على قبلة أخرى، ونحن على دين وهم على دين آخر، فالذي يكون به الإنسان مسلماً هو أن يصلي الصلاة الشرعية المعروفة، والتي من شروطها: استقبال هذه القبلة التي لا يستقبلها المشركون؛ لأن الكفار إما أنهم لا يصلون، وهؤلاء كفرهم معلوم، وإما أنهم لا يستقبلون قبلتنا، فمن صلى إلى غير قبلتنا من اليهود أو النصارى أو المشركين فهذا لا صلاة له.