شهادة أولي العلم من أهل الكتاب على أن القرآن هو الحق
ثم ذكر قوله تعالى: ((وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ))[سبأ:6]، فاستشهد الله تبارك وتعالى على صحة هذا القرآن وصدقه بأولي العلم، كما استشهدهم على توحيده والإيمان به فقال: ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ))[آل عمران:18]، والذين أوتوا العلم هم الذين أوتوا الكتاب من قبل، ممن تجردوا عن الهوى، قال تعالى: ((أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ))[الشعراء:197].. ((وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ))[الأحقاف:10].
فأهل العلم بالكتب المنزلة يعلمون أن هذا حق، ولذلك لما سمع ورقة بن نوفل ما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم في الغار؛ قال: {هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسى، وأنت نبي آخر الزمان}، وذلك لما عنده من العلم، وهذا من إرجاع الأمر إلى أهله؛ ولذلك فإن سحرة فرعون لما كانوا أعلم الناس بالسحر كانوا أسرع الناس إلى الإيمان؛ لأن هذا هو علمهم ومهنتهم التي خبروها وعرفوها وأفنوا أعمارهم فيها، فعلموا أن ما أتى به موسى ليس سحراً.
فأهل العلم بالكتب المنزلة الذين قرءوها وعلموا كل ما فيها، عندما جاءهم النبي الأمي صلى الله عليه وسلم بما لا يمكن أن يكون إلا من عند الله؛ فلابد أن يؤمنوا به وأن يشهدوا أنه حق، حتى وإن كفروا، قال تعالى: ((وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ))[البقرة:89]، فهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه الحق. ولا أدل على هذا من ذلك اليهودي الذي قال لابنه حين زاره النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه ودعاه إلى الإسلام، فقال له: أطع أبا القاسم.
لقد كانوا يعلمون صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن هذا الدين حق، لكنه الكبر والعناد! يقولون: كيف نتبعه وهو من العرب ونحن من ذرية داود؟! لقد كان الأب يعلم أن ابنه إن مات على غير الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم دخل النار، والأب بطبعه يشفق على ابنه ويرحمه ويحب له الخير؛ ولذلك أمره أن يطيع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا توفيق من الله سبحانه وتعالى للصبي أن مات على الإيمان فنجا من النار.
إذاً: أهل الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم.. يعرفون صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ويعرفون أن القرآن حق، ويعلمون أن هذه الآيات لا يأتي بها إلا نبي، ولا يمكن أن يأتي بها أحد من عند نفسه.