ثم قال: "ولا يمكن أن يكون ذلك للنصارى؛ لأنهم لا يكبرون الله بأصوات مرتفعة، ولا بأيديهم سيوف ذات شفرتين لينتقم الله بهم من الأمم، بل أخبارهم تدل على أنهم كانوا مغلوبين مع الأمم، ولم يكونوا يجاهدونهم بالسيف، بل النصارى قد تعيب من يقاتلون الكفار بالسيف".
فالحواريون -وتلاميذهم الذين آمنوا بالمسيح عليه السلام وكانوا على التوحيد- كانوا مغلوبين على أمرهم، وكانوا مضطهدين في حكم الدولة الرومانية، وقد قتلوا وأحرقوا في عهد كثير من الأباطرة، إلى أن جاء
قسطنطين واعتنق
النصرانية عام (325م)، فكانوا طيلة ثلاثة قرون في أشد الاضطهاد، و
قسطنطين هذا في حقيقته لم يدخل في دين المسيح، وإنما دخل في الدين المبدل بالتثليث والشرك؛ فهو قد انتقل من شرك إلى شرك.
قال: "بل النصارى قد تعيب من يقاتلون الكفار بالسيف"، وهذا إلى اليوم، فإن النصارى يعيبون الجهاد، ويرون أن الدين لا ينتشر إلا بالتبشير -كما يسمونه- أما أن ينتشر الدين بالسيف، فيقولون: هذا لا يمكن، ولهذا أخذوا يطعنون في الإسلام بأنه انتشر بالسيف؛ فجاء المنهزمون من هذه الأمة، الذين هم مستعدون أن يبدلوا كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ويغيروا حقائق التاريخ حتى لا يغضب الخواجات؛ فقالـوا: نحن أيضاً ليس عندنا جهاد بالسيف؛ بل إن كل قتال في التاريخ إنما هو دفاع، أو يقولون: هذا لم يكن القصد منه أن يدخل أولئك الأقوام في الإسلام؛ بل كان القصد منه استعمار الأرض.
لقد علم المسلمون جميعاً أن الجهاد في سبيل الله إنما كان لإعلاء كلمة الله ونشر الإسلام في الأرض، ولا يوجد قصد أشرف من نشر دين الله، ولا غضاضة ولا حرج في ذلك؛ وما علينا مما قاله أهل الكتاب؟! فإن الدين كلمة الله، والخلق خلق الله، والأمر أمر الله، و(لا إله إلا الله) هي كلمة التوحيد؛ أمرنا الله أن نقاتل لإعلائها؛ فمن كان يدين بدين الله فليضرب بسيف الله أعداء الله، وهذا ليس فيه إشكال، وإن قيل لنا: كيف تستبيحون أعراض الناس وتستحلون دماءهم؟
فنقول: نحن أرسلنا الله لنقاتل أعداء الله، بسيوف الله، من أجل دين الله، لا من أجل أنفسنا؛ ولهذا فمن قال: لا إله إلا الله والسيف في رقبته، وجب علينا أن نكف عنه،كما في حديث
أسامة ؛ لأن غرضنا هو أن يدخل الناس في دين الله، وأن يهتدوا بنور الإسلام.
ثم ماذا فعل هؤلاء النصارى الذين ينكرون أن ينتشر الدين بالسيف؟!!
لقد نشروا مذاهبهم الأرضية الفكرية التي صنعوها بعقولهم العفنة بالسيف، وملئوا العالم بالقتلى من أجلها، وكم من الضحايا قتلوا من أجل الصراع بين
هتلر و
موسوليني، -
النازية و
الفاشية- وبين
الديمقراطية و
الشيوعية في الحرب العالمية الثانية!!
لقد ذهب أكثر من ستين مليوناً ضحية هذه الحرب، وفي الحرب العالمية الأولى ذهب أكثر من خمسة عشر مليوناً، غير ما ذهب ضحية لما يسمونها حروباً دينية في القرن التاسع عشر بين الكاثوليك والبروتستانت.
فهم فعلوا ذلك وقاتلوا، لكن لغير الله، بل لنشر مذاهبهم وأديانهم الباطلة.
وفي الحروب الصليبية: لماذا استنفروا
أوروبا كلها وجاءوا بها إلى بلاد المسلمين؟
لقد زعموا أن ذلك من أجل تحرير الأرض المقدسة، وتسهيل الحج، فكيف يدعون أن هذا جهاد مقدس ويعيبون على المسلمين نشر الإسلام بالجهاد؟! لقد كانت حروبهم في بلاد المسلمين جهاداً مقدساً عندهم، والدليل على ذلك أن الصليب كان شعارهم؛ ولذا سموا بالصليبيين، ومع ذلك ينكرون علينا ونحن على الحق وهم على الباطل؛ فلا عبرة بكلامهم ولا بكلام المنهزمين الذين يؤولون دين الله وشرعه ليوافق آراء أولئك وأهواءهم.
قال
شيخ الإسلام: "ومنهم من يجعل هذا -يعني الجهاد- من معايب محمد صلى الله عليه وسلم وأمته"، رحم الله
شيخ الإسلام، لقد كان يتكلم بهذا في زمانه، فكيف في زماننا هذا؟! قال: "ويغفلون عما عندهم من أن الله أمر موسى بقتال الكفار، فقاتلهم بنو إسرائيل بأمره، وقاتلهم يوشع"؛ لأن الله قبض نبيهم موسى عليه السلام قبل أن يدخلوا الأرض المقدسة، فقاتلهم فتاه وغلامه يوشع وحبس الله تعالى له الشمس حتى فتحوها، وقال: "وداود وغيرهما من الأنبياء".
ومن أولئك الأنبياء الذين جاهدوا: سليمان عليه السلام، والدليل على أنه جاهد: قول الله تعالى حاكياً عنه: ((
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا))[النمل:37]، ومعناه: إما أن يأتوا مسلمين وإلا جاهدناهم.
ثم قال: "وإبراهيم الخليل قاتل لدفع الظلم عن أصحابه".