ثم قال رحمه الله: "وكذلك قوله: (بأيديهم سيوف ذات شفرتين)، هي السيوف العربية التي فتح بها الصحابة وأتباعهم البلاد". ولا يعرف أن أمة من الأمم جاهدت في سبيل الله بالسيف كما جاهدت أمة الإسلام؛ فبعد طالوت الذي بعثه الله تعالى ملكاً على بني إسرائيل -وكان من جنده داود الذي قتل جالوت- ما عرف أن قوماً جردوا السيوف في سبيل الله عز وجل حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل كانت الحروب بينهم، وقد كان النصارى- بعد أن اعتنقوا التثليث والرهبانية وأشباهها- يقاتلون غيرهم، وهو وإن كان قتالاً دينياً، لكنه على غير الحق، حتى كان يوم بدر، ولعل في ذلك مناسبة والله أعلم، وهي: أن عدة أصحاب بدر كانوا مثل أصحاب طالوت؛ فقد كان عددهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، فهذا إحياء لذلك الجهاد القديم.
قال رحمه الله: "وقوله (ويسبحونه على مضاجعهم) بيان لنعت المؤمنين الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، ويصلي الفرض أحدهم قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب؛ فلا يتركون ذكر الله تعالى بحال"، والتسبيح ليس خاصاً بقول: سبحان الله، بل هو عام لكل ذكر لله، من تحميد وتهليل واستغفار، فهذا كله يسمى تسبيحاً.
يقول: "فلا يتركون ذكر الله بحال، بل يذكرونه حتى في هذه الحال، ويصلون في البيوت على المضاجع، بخلاف أهل الكتاب"، وقد ذكر شيخ الإسلام هذا القيد: "بخلاف أهل الكتاب"؛ لأن أهل الكتاب لا يصلون إلا في البيع أو الكنائس.
فالصلاة في أي مكان على الأرض كلها من خصائص هذه الأمة، قال صلى الله عليه وسلم: {وجعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً؛ فحيثما أدركت الصلاة أحداً من أمتي فليصل}.
ثم قال رحمه الله: "والصلاة أعظم التسبيح، كما في قوله تعالى: ((فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ))[الروم:17-18] وقوله: ((وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا))[طه:130].
وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال: {كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ نظر إلى القمر ليلة البدر؛ فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ: ((وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى))[طه:130]}، وهذا معنى قول داود: (سبحوا الله تسبيحاً جديداً)..
ولما أقامها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم قال: {هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك}، فكان الأنبياء يسبحون في هذه الأوقات، وذلك هو التسبيح المتقدم، والتسبيح الجديد للمسلمين كما يدل عليه سائر الكلام".
معنى كلام شيخ الإسلام رحمه الله أن قوله: (سبحوا الله تسبيحاً جديداً) يدل على أن ذلك غير التسبيح القديم، وأن التسبيح الجديد هو الصلاة، والتسبيح القديم هو ما كان يسبحه الأنبياء في أوقات الصلاة، ومضمون التسبيح الجديد والقديم واحد، والهدف منهما واحد، وهو تسبيح الله عز وجل، لكن الصلاة جديدة؛ حيث لم تفرض بهذه الهيئة والكيفية إلا لهذه الأمة.