قال شيخ الإسلام : "وما ذكر ابن قتيبة وغيره من علماء المسلمين من تربية إسماعيل في بَرِّيَّة فاران، فهكذا هو في التوراة، قال فيها: (وغدا إبراهيم فأخذ الغلام، وأخذ خبزاً وسقاءً من ماء، ودفعه إلى هاجر، وحمله عليها، وقال لها: اذهبي! فانطلقت هاجر، فضلت في بَرِّيَّة سَبْع، ونفد الماء الذي كان معها، فطرحت الغلام تحت شجرة، وجلست في مقابلته على مقدار رمية سهم؛ لئلا تبصر الغلام حين يموت، ورفعت صوتها بالبكاء، وسمع الله صوت الغلام؛ فدعا مَلَكُ الله هاجر وقال لها: مالك يا هاجر؟ لا تخشي؛ فإن الله قد سمع صوت الغلام حيث هو، فقومي فاحملي الغلام وشدي يديك به؛ فإني جاعله لأمةٍ عظيمة)".
معنى ذلك: أن هاجر ابتعدت ورفعت صوتها؛ لأنها لا تريد أن تراه حين يموت من العطش، فجاء ملك الرب، وقال: لا تخافي، إن الله تعالى سيجعله أمّةً عظيمة، وفي بعض النسخ: (أمّةً عظيمةً جداً جداً). أي: أنه لن يموت الآن، بل سيكبر ويتزوج ويكون له نسل، ونسله سيكون أمة عظيمة جداً جداً.
قال شيخ الإسلام : "وفتح الله عينها فبصرت بئر ماء، فسقت الغلام وملأت سقاءها، وكان الله مع الغلام، فربي وسكن في بَرِّيَّة فاران ".
نحن نقطع بأن هذا الغلام هو إسماعيل، وهذا لا نقاش فيه لا عند اليهود ولا النصارى ولا المسلمين، ولا يحتمل أبداً أن يكون غير إسماعيل، فنحن نلزمهم بهذه الأشياء القطعية التي يسلِّم بها كل نصراني وكل يهودي في الدنيا.
قال شيخ الإسلام : "فهذا خبر الله في التوراة: أن إسماعيل ربي وسكن في برية فاران، بعد أن كاد يموت من العطش، وأن الله سقاه من بئر ماء، وقد علم بالتواتر واتفاق الأمم أن إسماعيل ربي بـمكة، وهو وأبوه إبراهيم بنيا البيت، فعلم أن أرض مكة من فاران ".
يذكر شيخ الإسلام أن قصة إسماعيل وأمه هاجر تدل دلالة صريحة على أن أرض فاران هي مكة ؛ لأن جميع الأمم تقطع أن إسماعيل وإبراهيم عليهما السلام بنيا هذا البيت، وأنه بني في مكة، فإذا كان إسماعيل قد تربى وسكن وعاش وتزوج في برية فاران، فإن فاران هي مكة قطعاً، حيث نشأ هذا الغلام، وحيث عين زمزم موجودة إلى اليوم.