وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في آيات من القرآن وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الصحيحة أشياء موجودة في التوراة، فنحن نؤمن بها لصحتها عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس لمجرد أن اليهود ذكروها، ومن ذلك: منها قوله تعالى: ((
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ)[المائدة:45] إلخ، فعلينا أن نؤمن بأن هذا من أحكام التوراة، وكذلك قوله تعالى: ((
كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ))[آل عمران:93]، فنحن مؤمنون بأن الطعام كان في التوراة حلال كله، وأن ما حُرم على بني إسرائيل فهو بسبب الذنوب التي ارتكبوها.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن حد الرجم موجود في التوراة، قال تعالى: ((
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ))[المائدة:43]، ولما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من أحبارهم أن يأتوا بالتوراة، فلما جاءوا بها وضع كبيرهم يده على آية الرجم.. فنحن نؤمن بأن الرجم موجود فيها.. وهكذا، وكذلك أيضاً نعلم أن صفة النبي صلى الله عليه وسلم مذكورة في التوراة؛ لأن الله تعالى ذكر ذلك فقال: ((
النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ)[الأعراف:157]، ومن ذلك في السنة: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين ... إلخ) كما في حديث
عبد الله بن عمرو.
فأي شيء يذكر في القرآن أو تصح السنة بأنه في التوراة أو في الإنجيل، فنؤمن به؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكره، وأما ما عدا ذلك فلا نذكره إلا رواية عنهم، أي: ننسبه إليهم، فإن كان موافقاً للقرآن فما عندنا من القرآن يغني عنه، وإن كان مخالفاً له، فنعلم قطعاً أنه مما دخله التحريف، أو النسخ إن كان في الأحكام، فلا يلزم في الأحكام أن تكون محرفة، فقد تكون منسوخة بالنسبة لنا، وقد تكون أيضاً مما حرف، فإن كان مما يتعلق بالأخبار فلا بد أن أحد الخبرين كذب، والله سبحانه وتعالى لا يُنزل إلا الحق: (( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)[الإسراء:105]، ولا يمكن أن ينزل الله تعالى الباطل، فإذا ما وجدنا نصاً في التوراة يخالف ما في القرآن؛ علمنا أن ما في التوراة محرف، وكذلك الإنجيل، ولا يمكن أن يتعارض خبران، فبهذا نعلم أن ذلك من تغيير الأحبار والرهبان، ومما كتبوه بأيديهم ونسبوه إلى الله سبحانه وتعالى، أو زادوا فيه أو نقصوا منه فتغير عن وجهه وعن حقيقته. وكذلك مزامير داود، وهي جزء مما في التوراة.