ومن لوازم الإيمان به صلى الله عليه وسلم: (طاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع وأمر).
ولـابن القيم رحمه الله كلام عظيم في كتاب مدارج السالكين في مقام الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد ذكر ما أمر الله تعالى به من ذلك، كما في قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ))[الحجرات:1] وذلك ألا يقدم بين يدي كلامه وبين يدي سنته صلوات الله وسلامه عليه أي قول، وإن كان لشيخ أو عالم أو مفتٍ، وإن كان لملك أو زعيم، وإن كان يدل عليه القياس أو الرأي أو الاجتهاد.. فهذا من الأدب معه صلى الله عليه وسلم.
ومن التقديم بين يديه: أن يقول القائل: قال رسول الله، فيقول الآخر: ولكن قال فلان: كذا...!
سئل الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه عن مسألة، فقال الشافعي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها كذا، فقال له السائل: فما تقول أنت؟ فقال الشافعي: "أتراني في كنيسة؟! أترى عليَّ زناراً؟! أقول لك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: ما رأيك أنت؟! سبحان الله! وهل لنا من رأي؟! ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ))[الأحزاب:36]" وبعض يتخيرون من أمر الله ما يشاءون، ويتخيرون من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحبون، ويقولون: أعجبنا من سنته صلى الله عليه وسلم ما يتعلق بالعشرة الزوجية، لكن لم يعجبنا من سنته صلى الله عليه وسلم المظهر أو اللباس، فنأخذ هذا ونترك هذا..! فهذا الاعتراض لا يمكن أن يجتمع هو والإسلام أبداً؛ بل لا بد من التسليم: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))[النساء:65].
قال ابن القيم رحمه الله في معنى هذا الآية: "التحكيم في مقام الإسلام"، فلا يكون مسلماً من لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم.
"وانتفاء الحرج في مقام الإيمان"، لأن المؤمن لا يكون في حرج من أمر الله أبداً.
"والتسليم المطلق في مقام الإحسان"، كـالصديق حين قيل له: يا أبا بكر ! إن صاحبك قد أخبر أنه قد أسري به إلى بيت المقدس؛ فقال: [[إن كان قال فقد صدق]]..
هذا هو التسليم المطلق، ودون ذلك من لم يُسَلِّم بإطلاق، لكن ليس في قلبه حرج من أمر الله ورسوله، ودون ذلك من يحكم الله ورسوله، ويحكم دين الله في كل أمر، لكن قد يجد في نفسه حرجاً منه، ويجد غضاضة ومشقة منه، وهذا يوجد عند كثير من الناس.
أما من لم يحكم دين الله، ولم يحكم أمر الله ورسوله أصلاً، فهذا ليس بمُسْلم؛ بل غاية ما فيه أنه يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض.