قال: [ومنه ما رواه إمام الأئمة محمد بن خزيمة بسنده في كتاب التوحيد، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بينا أنا جالس إذ جاء جبريل، فوكز بين كتفيّ، فقمت إلى شجرة مثل وكري الطير، فقعد في إحداهما وقعدت في الأخرى، فسمت وارتفعت حتى سدت الخافقين، وأنا أُقلب بصري، ولو شئت أن أمس السماء مسست، فنظرت إلى جبريل كأنه حلس لاطئ، فعرفت فضل علمه بالله عليَّ}] وتكملته: {وفتح لي بابان من أبواب الجنة، ورأيت النور الأعظم، وإذا دون الحجاب رفرف الدر والياقوت، فأوحى إليّ ما شاء أن يوحي...} إلى آخر الحديث، وهذا الحديث تقدم ذكره عند ذكر الإسراء والمعراج، واحتجوا على أن الملائكة أفضل، بقوله: {فعرفت فضل علمه بالله علي}.
[قال الآخرون: في سنده مقال، فلا نُسلِّم الاحتجاج به إلا بعد ثبوته] ذكرنا أن الحديث قد تقدم، وتقدم أن ذكرنا قاعدة عامة ترد كثيراً من الأحاديث الضعيفة في باب الإسراء والمعراج، وهي كثيرة جداً، فيقال: هل كان الإسراء والمعراج مرة أو مرتين؟
الحادثة كانت مرة واحدة -قطعاً-، ومن أراد الجمع بين الأحاديث بحملها على تكرر الإسراء والمعراج، فهذا غير صحيح، فإذا ثبت أنه مرة واحدة فبناءً عليه نأخذ أصح الروايات الثابتة ونجعلها معياراً لرد ما عداها ونجمع بينها، ثم نجعلها أصلاً يرد به ما عداها.
فالحديث ليس ضعيفاً من سنده فقط، بل لا يحتج به من حيث المتن نفسه؛ لأنه خالف الأحاديث الصحيحة؛ ولأن هذا الحديث ليس فيه ذكر البراق مثلاً، وليس فيه الصلاة في بيت المقدس، فهذا الحديث لا يصح: لا متنه ولا سنده، بل هو ضعيف من حيث السند، ومنكر من حيث المتن.