قال: [ومنه] أي: ومما يستدلون به على تفضيل الملائكة، على البشر [ما رواه مسلم بإسناده، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير} ومعلوم أن قوة البشر لا تداني قوة الملك ولا تقاربها]، فأرادوا أن يجعلوا لفظة المؤمن عامة يدخل فيها البشر والملائكة. وهكذا وجهوا الدليل، فالمؤمن القوي من البشر خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف من البشر، وهكذا الملك أقوى من البشر فهو خير وأحب، هكذا أرادوا أن يفسروا الحديث ليدل على قولهم، فقالوا: [ومعلوم أن قوة البشر لا تداني قوة الملك ولا تقاربها] وأين قوة البشر من قوة الملك؟ إذاً فتفضيل المؤمن القوي يقتضي تفضيل الملائكة على صالحي البشر؛ لأنهم لا يدانونهم في القوة مطلقاً، ويدخل في ذلك قوة الإيمان، لكن المقصود بالقوة أولاً قوة الخَلْق.
[قال الآخرون: الظاهر أن المراد المؤمن من البشر -والله أعلم- فلا تدخل الملائكة في هذا العموم] أي: فقوله صلى الله عليه وسلم: {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف} لا يدخل فيه الملائكة، وإنما هو خاص بالبشر، أما بالنسبة للملائكة، فلو كان الأمر خاصاً بالملائكة لكان ذلك من باب الإخبار المجرد، وهو أن الملائكة الأقوياء خير من الملائكة الضعفاء، وهذا مجرد لا فائدة منه، لكن عندما يكون كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بني آدم ففيه طلب وهو يُعد باعثاً للمؤمن لأن يكون قوياً في إيمانه وعمله، وأن يبذل جهده في مرضاة الله، وعليه فالحديث -حقيقة- جاء بصيغة الخبر والمقصود منه الطلب، فهو إنشاء جاء في صيغة الخبر، والإنشاء هنا هو الطلب، والطلب لا يخاطب به إلا من هو مكلف مأمور بالعبادة، وهذا يختص بالبشر، ولا يدخل فيه الملائكة.