قوله رحمه الله: [ومنه] أي: مما استدل به على تفضيل صالحي بني آدم على الملائكة [قوله تعالى: ((
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ))[آل عمران:33] وجه الاستدلال أن هؤلاء أفضل العالمين، والعالمون يدخل فيهم الملائكة، فثبت حينئذ أن هؤلاء أفضل من الملائكة، ووجه الاستدلال واضح.
قال: "قال الآخرون قد يذكر "العالمون" ولا يقصد به العموم المطلق" أي: فأنتم على هذا جعلتم لفظة "العالمين" إذا أطلقت تشمل العموم، فيدخل في ذلك: البشر والملائكة، مع أن الأمر ليس كذلك، فقد يذكر "العالمون" ولا يراد به العموم المطلق، وإنما يراد به معنىً خاص، أو طائفة خاصة من العالمين، ولهذا قال: "بل في كل مكان بحسبه"، أي: بحسب الاستخدام والاستعمال في كل موضع، فإنها في مواضع تدل على البشر، وفي مواضع تدل على الطائفة من البشر، وفي مواضع قد تدل على المخلوقات جميعاً، كما إذا قلنا: ((
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))[الفاتحة:2]، فإنها تدل على جميع المخلوقات، ثم ذكر أمثلة من القرآن تدل على قولهم، منها: قال: "كما في قوله تعالى: ((
لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا))[الفرقان:1]" أي لمن أدرك رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ممن عاصره ومن يأتي من الآخرين الذين لم يدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يدخل في ذلك الملائكة؛ فالمقصود أن الكلمة ليست عامة عموماً مطلقاً.
وقوم لوط عندما قالوا للوط: ((
أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ))[الحجر:70] لا يدخل في هذا اللفظ الملائكة، بل لا يدخل كل بني آدم، وإنما المقصود من يأتي إلى مدينتهم، فمقتضى السياق يدل على ذلك.
وأيضاً قوله تعالى في سورة الشعراء: [((
أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ))[الشعراء:165]] فهذا لوط صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا محمد يأمره الله أن يقول لهم: ((
أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ))[الشعراء:165] فليس المقصود بذلك كل بني آدم كلهم بل جزء محدود منهم، وهم من كانوا في هذه القرية التي كانت تعمل الخبائث، والملائكة ليس فيهم ذكور وإناث، فكلمة (العالمين) هنا لا يدخل فيها الملائكة، فإذاً الكلمة هذه لا تدل دائماً على العموم.
وكذلك قال: [((
وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ))[الدخان:32]] والمختارون هنا بنو إسرائيل خصوصاً، والله سبحانه وتعالى اختار بني إسرائيل وفضلهم على العالمين، لكن هل فضّل بني إسرائيل على العالمين جميعاً؟ لا. وبدون شك؛ لأنهم لم يختاروا ولم يفضلوا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إذاً المقصود: على عالمي زمانهم، فكان موسى عليه السلام في زمنه أفضل الرسل، وكان قومه أفضل الأمم في زمنهم، فهم اختيروا على عالمي زمانهم.