إن أصل هذه الفكرة، أعني فكرة العبادة بلا سأم وبلا ملل وبلا فتور، مأخوذ من الهندوسية الذين لا يؤمنون بجنة ولا نار، بل عندهم مبدأ تناسخ الأرواح، وذلك أن الله سبحانه وتعالى خلق البشر وأعطاهم هذه الأرواح، فمن جاهد نفسه وأخذها بأنواع الرياضات والمجاهدات، وأضاف إلى ذلك من العذاب والآلام التي يعذب بها نفسه، يقولون حتى يصفيها، فإذا صفاها تماماً من الشهوات والشبهات والخطايا وما يتعلق بها ثم مات، فإنه يصل إلى النعيم، والنعيم هو الاتحاد ببراهما، وهو عندهم الإله الأساس الذي انبثقت منه الأرواح، فكلما صفا الجوهر اتحد بالإله الذي هو براهما، وهذا هو الذي سمته الصوفية : الفناء أو المحو، وبعض الاتحادية منهم صرح به وسماه الاتحاد، وهؤلاء خرجوا عن الإسلام وارتدوا عنه بالكلية، لكن الذين لم يصرحوا بالاتحاد منهم يقولون: هذا فناء، أي: يفني بذاته في معبوده، وهذه حالة عليا يجب أن يصل إليها الإنسان حتى يصبح ناطقاً بلسان الحق كما يقولون تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، فإذا تكلم ليس هو المتكلم وإنما هو الله، وقال قائلهم في ذلك:
أصبحت منفعلاً لما تختاره            مني ففعلي كله طاعات
أي: جاهد نفسه وصفاها ومحصها حتى أصبحت كل أعماله انفعالاً لقدرة الله، ولفعل الله، وقوله: ففعلي كله طاعات، أي: ليس له إرادة؛ فإن عصى وترك الصلاة، وترك الجمعة والجماعة، وفعل ما فعل؛ فإن هذا لا مؤاخذة عليه فيه؛ لأنه شهد الحقيقة الكونية -كما يزعمون- وأصبحت أفعاله كلها طاعات.
فأصل هذا الكفر الصراح، وهذه الفكرة الخبيثة منقولة عن أولئك الهندوس، ومن ذلك نشأ ما يسمى عندهم بالشطحات، وهو الكلام الكفري الذي يقولونه في حال السكر أو حال الفناء أو المحو.