يقول: [بل الأمر كله لله الواحد القهار، وهم ينفذون أمره (( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ))[الأنبياء:27-28]. ]، فالملائكة لهم منزلة وجاه عند الله تعالى، ويشفعون، ولكن الشفاعة لابد فيها من أمرين:
الأول: الإذن من الله للشافع، قال تعالى: ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ))[البقرة:255].
الثاني: رضاه عن المشفوع له، قال تعالى: ((وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ))[الأنبياء:28].
وهم ينفذون أمره: ((لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ))[الأنبياء:27]، فإن ساقوا السحاب، أو أنزلوا المطر، أو نفخوا الأرواح في الأرحام أو قبضوها، أو عملوا أي عمل، فإنما هو بأمر الله: ((أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ))[الأعراف:54]، فلا يشاركه في ذلك أحد.
وقال تعالى عنهم : ((يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ))[النحل:50]، فمع عظم خلقتهم، ومكانتهم العظيمة عند الله تعالى، مع ذلك يخافون الله ويتقونه، ويفعلون ما يأمرهم به سبحانه وتعالى، فكل عملٍ يعملونه فليس من تلقاء أنفسهم، وإنما هو بأمر من الله سبحانه وتعالى، ولهذا فكيف يليق أن يعبد أو يدعى العبد المأمور المنفذ الذي لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً؟! إذاً: فلا يجوز أن تعبد الملائكة، ولا عيسى، ولا عزير، ولا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن هؤلاء جميعاً لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، بل إن الله سبحانه وتعالى هو الذي له الأمر كله، وهو النافع والضار، وإن فعل غيره من المخلوقين ما فعل، فهو إنما يفعل ذلك بأمره وبإذنه، ولو شاء سبحانه وتعالى لأهلك هؤلاء جميعاً وإن كانوا ملائكة أو أنبياء: ((قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ))[الملك:28].
فالله سبحانه وتعالى يستطيع أن يهلك كل أحد يشذ أو يخرج عن أمره، كائناً من كان، فيجب -إذاً- أن تصرف العبادة جميعاً له سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.