يقول رحمه الله: [ومذهب المسلمين واليهود والنصارى ما أخبر الله به في القرآن، ولم يكن في المأمورين بالسجود أحد من الشياطين]، وهنا يبين شيخ الإسلام: هل إبليس اللعين من الملائكة؟ فيقول رحمه الله: "ولم يكن في المأمورين بالسجود أحد من الشياطين؛ لكن أبوهم إبليس كان مأموراً فامتنع وعصى، وجعله بعض الناس من الملائكة لدخوله في الأمر بالسجود"، أي: في قوله تعالى: (( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ))[الحجر:30-31] قالوا: فلما أمر إبليس بالسجود مع الملائكة واستثني منهم؛ دل ذلك على أنه منهم، قال: "وجعله بعض الناس من الملائكة لدخوله في الأمر بالسجود، وبعضهم من الجن؛ لأن له قبيلاً وذرية"، وهذا هو القول الثاني: وهو أن إبليس من الجن، وقد نص عليه القرآن في قوله تعالى في سورة الكهف: ((إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ))[الكهف:50]، ولأن له ذريةً وقبيلاً، قال تعالى: ((إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ))[الأعراف:27]، والملائكة طبيعتهم غير ذلك، فلا يتزاوجون، ولا ذرية لهم ولا نسل، فهو إذاً يخالف جنس الملائكة من حيث أصله وعنصره الذي خلقه الله سبحانه وتعالى منه، قال: "ولكونه خلق من نار، والملائكة خلقوا من نور"، فاختلف عن الملائكة في الخلق والطبيعة، فليس منهم، قال رحمه الله: "والتحقيق: أنه كان منهم باعتبار صورته، وليس منهم باعتبار أصله ولا باعتبار مثاله، ولم يخرج من السجود لآدم أحد من الملائكة؛ لا جبرائيل، ولا ميكائيل ولا غيرهما"، أي: أن كل الملائكة سجدوا، حتى جبرائيل وميكائيل، أما إبليس فهو منهم باعتبار صورته ووضعه، فإنه كان يعيش معهم، وكان مأموراً بأن يعمل أعمالهم، ولم يكن منهم باعتبار أصله ومثاله، فهو مختلف عنهم في الأصل وفي الطبع.
إذاً: هذا بالنسبة إلى من أول الملائكة؛ لأن هناك من لا يؤمن بهم أصلاً، وهناك من أولهم احتراماً لحروف القرآن فقط، فقالوا: لا ننكرها، لكنها ليست كما يظن الناس، وإنما هي العقول، أو النفوس، أو الطبائع الخيرة... إلى آخر ما قالوا.