وقد ذكر الشارح رحمه الله أن من الناس من زعم أن الذي يدبر العالم هي النجوم أو غيرها، وهذا من اعتقادات المشركين الكافرين، الذين كفروا بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ولا حَظَّ لهم في نعيم الله عز وجل ولا في ولايته، ولكن هناك طوائف تكلمت في الملائكة على سبيل التأويل، والتأويل هو باب الشر العظيم الذي فتحه علينا أهل الضلال، فأولوا أسماء الله تعالى وصفاته، وأولوا أمور الآخرة، ومن جملة ما أولوا: الملائكة، فمنهم من أول حقيقة الملائكة، فلم ينكروا أن كلمة الملائكة موجودة في القرآن والسنة، لكنهم قالوا: إن معناها غير ما بينه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وفهمه السلف الصالح من هذا الخلق الخاص المعين.
وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله كما في الفتاوى (4/259): "هل جميع الخلق حتى الملائكة يموتون؟" وذلك لأن بعض الناس يعتقد أنهم لا يموتون.
"فأجاب: الذي عليه أكثر الناس أن جميع الخلق يموتون حتى الملائكة، وحتى عزرائيل ملك الموت، وروي في ذلك حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمون واليهود والنصارى متفقون على إمكان ذلك وقدرة الله عليه؛ وإنما يخالف في ذلك طوائف من المتفلسفة أتباع أرسطو وأمثالهم، ومن دخل معهم من المنتسبين إلى الإسلام، أو اليهود والنصارى: كأصحاب رسائل إخوان الصفا وأمثالهم، ممن زعم أن الملائكة هي العقول والنفوس، وأنه لا يمكن موتها بحال، بل هي عندهم آلهة وأرباب لهذا العالم".
إذاً: الذين يؤولون الملائكة هم الباطنية والفلاسفة، ومذهبهم متقارب -وقد سبق أن ذكرنا ذلك- وهم يؤولون الملائكة بالعقول، فإن أرسطو يقول: "إن الله -أو العلة الأولى- خلق عشرة عقول، فخلق العقل الأول، والأول خلق الثاني... إلى العاشر، ثم العاشر هو الذي خلق الكون وهو الذي يدبره! هذه هي خيالات وسفسطات أرسطو، التي جاء بها من غير برهان ولا حجة، لا من النقل ولا من العقل، بل هذا هو كفره وضلاله.
وأرسطو يعتبر شيخ الضلالة الأكبر في العالم اليوم، بل إنه المعبود الأكبر في الفكر الغربي، وقد انتقل إلى الفكر الشرقي عند الباطنية والفلاسفة .
وكل شر في أي علم من العلوم التي أخرجها أهلها عن الدين؛ كعلم الاجتماع، وعلم النفس، والاقتصاد، وغيرها، يبدأ من أرسطو وأتباعه.
ولماذا أولوا الملائكة؟ لقد أخذوا كلام أرسطو، وحتى لا يظهروا أمام المسلمين أنهم كفروا بالقرآن، قالوا: ما سماه القرآن ملائكة فهو الذي سماه أرسطو : العقول، فأولوا الملائكة بأنها العقول العشرة، أو النفوس؛ لأن بعضهم يقول: إن العقل الكلي خلق النفس الكلية... إلى آخر ذلك الهراء الذي لا داعي للإطالة فيه، قالوا: ولا يمكن موتها بحال، وذلك لأن هذا العالم عندهم ليس له أول ولا آخر، أي: لا ابتداء له ولا انتهاء، والذي يدبره ويحركه هي هذه العقول العشرة، فكيف تموت هذه العقول ؟ ولذلك قالوا: إنها لا تموت.