يقول: "وكل بشر على وجه الأرض فلابد له من أمر ونهي، ولابد أن يأمر وينهى" فلا يقل أحد: أريد أن أترك الأمر والنهي؛ فذلك غير ممكن؛ فكل بشر لابد أن يحب أشياء ويكره أشياء، ولابد أن يأمر بأشياء وينهى عن أشياء.
ومن ينظر في أحوال الدول الغربية، يعجب من الصحافة هناك؛ فهي تنتقد السلطة الإدارية والتنفيذية، وتنتقد كل الأوضاع حتى القوانين؛ فكل مجتمع لن يقوم إلا على أمر ونهي.
بل إن كل نفس أيضاً لا تقوم إلا بذلك؛ يقول رحمه الله: "حتى لو أنه وحده لكان يأمر نفسه وينهاها: إما بمعروف وإما بمنكر، كما قال تعالى: ((
إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ))[يوسف:53] فإن الأمر هو طلب الفعل وإرادته، والنهي طلب الترك وإرادته، ولابد لكل حي من إرادة وطلب في نفسه يقتضي بهما فعل نفسه، ويقتضي بهما فعل غيره إذا أمكن ذلك؛ فإن الإنسان حي يتحرك بإرادته..." إلى أن يقول: "وإذا كان الأمر والنهي من لوازم وجود بني آدم؛ فمن لم يأمر بالمعروف الذي أمر الله به ورسوله، وينه عن المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله، ويؤمر بالمعروف الذي أمر الله به ورسوله، ويُنه عن المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله، وإلا فلابد أن يأمر وينهى، ويؤمر ويُنهى، إما بما يضاد ذلك" أي: فيأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، ويؤمر بالمنكر وينهى عن المعروف "وإما بما يشترك فيه الحق الذي أنزل الله بالباطل الذي لم ينزله الله، وإذا اتخذ ذلك ديناً كان ديناً مبتدعاً" فلابد من إحدى حالتين؛ إما أن يكون الأمر والنهي وفق ما شرع الله، وإما أن يكون الأمر والنهي خلاف ما شرع الله، ولذلك نجد الناس إما أن يقولوا: هذا حرام وهذا حلال، وإما أن يقولوا: هذا مخالف للنظام، وهذا خارج عن القانون، وهذا متعد، وهذا لابد أن يردع ويهجر.. ولكن الخير والهدى والاستقامة والصلاح ودوام النعمة في طاعة الله وفي الالتزام بأمر الله والتمسك بسنة رسول الله، وذلك بأن يكون الأمر والنهي تابعاً وموافقاً لما شرعه الله تبارك وتعالى.
يقول : "وهذا كما أن كل بشر فإنه متحرك بإرادته؛ همام حارث؛ فمن لم تكن نيته صالحة، وعمله عملاً صالحاً لوجه الله، وإلا كان عملاً فاسداً أو لغير وجه الله، وهو الباطل، كما قال تعالى: ((
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى))[الليل:4] وهذه الأعمال كلها باطلة من جنس أعمال الكفار..." إلى أن يقول: "وقد أمر الله في كتابه بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر من المؤمنين، كما قال تعالى: ((
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا))[النساء:59].
و(أولو الأمر) أصحاب الأمر وذووه، وهم الذين يأمرون الناس، وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة، وأهل العلم والكلام؛ فلهذا كان أولو الأمر صنفين: العلماء، والأمراء؛ فإذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس؛ كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه للأحمسية لما سألته: ما بقاؤنا على هذا الأمر؟ قال: [[ما استقامت لكم أئمتكم]]، ويدخل فيهم الملوك والمشايخ وأهل الديوان.. وكل من كان متبوعاً فإنه من أولي الأمر" أي: فكل من كان له شأن أو سلطة في أمر من الأمور، فهو ولي في ذلك الأمر بحسبه، حتى أن الرجل راع في أهل بيته، كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من أولي الأمر في البيت، والمدرس ومدير المدرسة من أولي الأمر في المدرسة، فيطاع بالمعروف في المدرسة، والمدير من أولي الأمر في الإدارة، فيطاع بالمعروف في الإدارة، فعليه جزء من المسئولية التي على ولي الأمر.
وأعظم ولاة الأمور هم الأمراء -الحكام عموماً- والعلماء؛ فهذان الصنفان إذا صلحا صلح الناس جميعاً، وإذا فسدا فسد الناس جميعاً.