قال شيخ الإسلام : "إن الرسل -وهم أفضل خلق الله وقادة الدعاة- إنما أرسلهم الله تعالى للتخفيف من الشر ما أمكن، ولم يرسلهم لاستئصال الشر من العالم".
ولم يبعثهم الله من أجل ألا يبقى على وجه الأرض نسمة كافرة، ولو بعثوا بذلك، لكان أولى الناس به محمداً صلى الله عليه وسلم الذي هو خاتم الأنبياء والرسل، ودعوته عامة للناس أجمعين، قال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ))[الأنبياء:107] ومع ذلك لم يبعث حتى يستأصل الشر من العالم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ورأيت النبي ومعه الرجل والرجلان، ورأيت النبي وليس معه أحد} فلذلك ليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروطاً بحصول النتائج، وإنما الواجب فيه هو: أن تتحقق الشروط الشرعية في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، أما النتائج فهي على الله سبحانه وتعالى.
ومن رحمة الله بهذه الأمة أنه ما من أحد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقوم بذلك فيها إلا ويقيض الله له منها من يتبعه وينصره، ومن يقيم الله دينه على يديه؛ لأنها قد اختصت وفضلت ببقاء الطائفة المنصورة التي تقوم مقام أنبياء بني إسرائيل، فقد {كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء؛ كلما هلك نبي، خلفه نبي} يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويجدد الدين ويدعو الناس إلى الدين الحق، أما هذه الأمة فقد جعل الله مجدديها منها، وهم أئمة الهدى والدعاة إلى الله؛ فهم يقومون مقام الأنبياء، وما من أحد يقوم مقام الأنبياء إلا ويقيض الله له ناصراً، فلا تزال هذه الطائفة قائمة بإذن الله إلى قيام الساعة.