ولو أخذنا أنموذجاً من صبره صلى الله عليه وسلم لرأينا العجب العجاب، فقد جاءه ملك الجبال وقال له: {لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين، فقال: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يقول: لا إله إلا الله} فبعد أن بلغ الهم منه مبلغه، وبعد الرجم والصد والإعراض والتكذيب له، يكون منه هذا الموقف من الصبر والصفح كما أمره ربه عز وجل.
ولو نظرنا إلى قوله تعالى: ((تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ* فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا))[المعارج:4-5]، لوجدنا أن هناك حكمة في ذكر مقدار اليوم: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) فإن ذلك يعطي شعوراً بأن عمر الإنسان كله محدود؛ فلو قضى الإنسان خمسين سنة في الدعوة إلى الله فهي لا شيء من خمسين ألف سنة؛ فليس هناك داع للتضجر؛ فاصبر صبراً جميلاً.
ولو تأمل الإنسان واقع دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، والأنبياء من قبله وما ابتلوا به، لتأثر واعتبر بذلك الاجتهاد مع الصبر في الدعوة والعمل؛ فإن نوحاً عليه السلام صبر وصابر ألف سنة إلا خمسين عاماً، وكان يدعو قومه ليلاً ونهاراً؛ سراً وجهاراً.. وما ترك وسيلة إلا واتخذها، كما فصل الله قصته في سورة نوح.