إن أول ما ابتدأ ضلال المعتزلة من مسألة المنزلة بين المنزلتين، وهي أول بدعة أظهروها؛ ابتدعها واصل ثم تبعه عليها عمرو، وجعلوها أصلاً من أصول دينهم، فلم يسبق لأحد من أئمة الإسلام ولا من فرق الضلال قبلهم أن ذكر هذا، وإنما كان الناس قبلهم على ثلاث فرق في مسألة مرتكب الكبيرة، كانت الخوارج تقول: إنه كافر، وكانت المرجئة تقول: إنه كامل الإيمان، وأهل السنة والجماعة على مذهبهم المعروف في المسألة، فخرج هؤلاء بهذه البدعة الجديدة، وقد برر واصل بن عطاء هذه البدعة بقول الحسن البصري لما سئل عن مرتكب الكبيرة فقال: إن مرتكب الكبيرة منافق، والحسن رحمه الله -إن ثبت عنه ذلك- لا يقصد به النفاق الأكبر، كما لا يقصد أن يبتدع في دين الله سبحانه وتعالى، أو يقرر أصلاً من أصول الابتداع، وإنما قال: كيف يدعي الإيمان ثم يرتكب الكبيرة؟! هذا يقول ما لا يفعل، وهذه صفة المنافقين.
وكان الأمر في مجلس موعظة، وليس في تقرير أصل بدعي جديد لم يقله أحد من قبل.
لكن لما أراد الله تبارك وتعالى الفتنة لـواصل ولـعمرو وأشباههم، احتاروا بسبب هذا القول وترددوا، و قالوا: إن قلنا: إنه مؤمن؛ فكيف يكون مؤمناً وقد ارتكب الكبائر؟! وإن قلنا: إنه كافر كما تقول الخوارج، فكيف يكون كافراً وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله مع إيمانه في الباطن؟! فاحتاروا واضطربوا في هذا الأمر.
وكان المخرج من الحيرة والاضطراب والاختلاف هو العودة إلى الكتاب والسنة، كما أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن نرد الأمور عند التنازع إلى الله ورسوله، أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لكنهما ردَّا الأمر إلى الرأي المجرد فقالا: نجعله في منزلةٍ بين المنزلتين: لا هو مؤمن ولا هو كافر، المنزلتان هما: منزلة الإيمان، ومنزلة الكفر، فهو في منزلةٍ بينهما. وهي منزلة وهمية لا وجود لها في الحقيقة والواقع.