يرى المعتزلة أن من العدل أن الله سبحانه وتعالى لا يأتي القبيح ولا يفعل القبيح، ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى لا يظهر المعجزات على أيدي الكذابين.
وهذا رد على الأشعرية لأن من مذهب الأشعرية أن السحر خارق ومعجزة، فما يفعله النبي وما يفعله الساحر كلاهما خارق للعادة، لكن الفرق بينهما أن الأشاعرة يرون أن النبي يقترن بخرقه للعادة ادعاء النبوة، أما الساحر فلا يستطيع أن يدعي النبوة، ولو ادعاها لأبطل الله سحره، وهذا كلام غير معقول، فما المانع للساحر من أن يدعي النبوة ويبقى سحره؟!
قالت: الأشعرية : إن الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، فما دام يقول: أنا ساحر فليسحر كما يريد، فإذا قال: أنا نبي وهذه آيتي فإن الله سيبطل سحره في ذلك الوقت؛ وهذا شيء لا رئي ولا سُمِعَ ولا يتصور بالضرورة؛ لأنه قد يعقل أن يوجد في حالة أو حالتين مثلاً.
فأرادت المعتزلة أن ترد عليهم فقالت: من تقرير أصل النبوات أن نجزم بأنه لا خوارق أصلاً؛ فلا معجزات ولا كرامات؛ لأننا لو قلنا هذا لفتحنا الباب للكذابين والدجالين، فالأفضل أن ننفي المسألة من أصلها، ونقول: إن الله عدل، ومن العدل ألا ننسب إليه أن يظهر المعجزات على أيدي الكذابين.
فنقول للمعتزلة : أنتم رددتم باطلاً بباطل، فكلا المذهبين خطأ وغلط وضلال، وأمر النبي أجلى وأشهر وأعظم من أن يختلط بالساحر أو الدجال.
وكما لا يمكن أن يخطئ الناس فيقولوا: السماء أرض والأرض سماء، أو يقولوا: إن الليل ضوء والنهار ظلام، فكذلك لا يمكن أن يختلط النبي بالساحر ولا أن تختلط الآيات والبراهين التي يظهرها الله ويعطيها لأنبيائه بما يفعله الدجالون والمشعوذون على الإطلاق.
مع أن السحر حق واقع، فالسحرة يفعلون أشياء ولها تأثير؛ كما ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن: ((فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ))[البقرة:102] ولكن: ((وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ))[البقرة:102] فالسحر حق وله تأثير، ولكن فرق كبير بينه وبين الآيات التي يجريها الله سبحانه وتعالى على أيدي أنبيائه ورسله، فلا خلط بين هذا وذاك، وقد سبق تفصيل هذا حين تعرضنا لمبحث النبوات فيما مضى.
تقول المعتزلة : إن الله سبحانه وتعالى عدل، ومن عدله أنه لا يعذب أطفال المشركين بفعل آبائهم، والذي جعلهم يقولون هذا هو أن الخوارج النجدات -أتباع نجدة- والأزارقة -أتباع نافع بن الأزرق - يقولون: إن أبناء المشركين في النار تبعاً لآبائهم؛ لأن الله تعالى قال على لسان نوح: ((وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا))[نوح:27].
ويقصد الخوارج بالمشركين في قولهم: (إن أبناء المشركين... إلخ) المسلمين الذين ليسوا على مذهب الخوارج .
فردَّ عليهم المعتزلة وقالوا: ليسوا بكفار، لأن الله عدل؛ فكيف يعذبهم بذنوب آبائهم؟! فـالمعتزلة خالفوا الأشعرية والخوارج في هذه المسائل، لكن المعتزلة ردوا الباطل بباطل، وجعلوا الباطل الذي جاءوا به وأصلوه هو الحق، وجعلوه هو الدين والشرع الذي يجب أن يتبع، والذي من خالفه فإنه إما كافر وإما فاسق، وأقل ما يقال: إنه مخطئ.