يقول: "وخلاف المجبرة بأسرهم دخل في باب العدل"، يقول: الخلاف بيننا نحن معشر المعتزلة وبين الجبرية أو المجبرة داخل في باب العدل.
ومن المعلوم أن المعتزلة ينفون القدر، وأن أول من تبنى ذلك واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، وكان قبلهم رجلان هما غيلان الدمشقي ومعبد الجهني وكانا معاصرين لهما، لكن الذين تبنوا إنكار القدر هم المعتزلة، وعلى رأسهم واصل وعمرو .
قيل للمعتزلة : كيف تنكرون القدر الذي هو أصل من أصول الدين وركن من أركان الإيمان؟! قالوا: نحن ننفي عن الله تبارك وتعالى القبائح؛ لأن العباد يرتكبون القبائح والمحرمات والكبائر، فهم يزنون، ويسرقون، ويشربون الخمر، ويفعلون هذه القبائح، فإذا قلنا: إن الله قدرها، وأثبتنا أن الله خالق أفعال العباد، وأنه هو الذي خلقها فيهم، فإننا نكون بذلك قد نسبنا إليه كل ما يفعله العباد من مخاز وقبائح؛ هذا أمر، والأمر الآخر: أننا ننفي عن الله سبحانه وتعالى الظلم، فإنا إذا قلنا بقول الجبرية الذين يقولون: إن الله قدر هذه الأشياء، فإننا نكون بذلك قد نسبنا إلى الله الظلم؛ إذ كيف يقدر على الخلق هذه الأشياء ثم يحاسبهم عليها؟! فنحن ننفي القدر تنزيهاً لله عن الظلم وعن القبائح، ففي ظنهم أنهم ينزهون الله ويعظمونه ولا يصفونه بما لا يليق به.
وقد حصلت قصة بين أحد أهل السنة وأحد علمائهم -قيل: بين القاضي عبد الجبار وبين الإسفرائيني- قال المعتزلي: (سبحان من تنزه عن الفحشاء)، يقصد بذلك نفي القدر وأن الله لم يقدر هذه الأفعال ولا كتبها، فرد عليه السني فقال: (سبحان من يفعل ما يشاء) فالله يفعل ما يشاء حتى لو كان في نظرك أنت أنه قبيح؛ فلله وحده الملك كله والأمر كله، فرد عليه المعتزلي قائلاً: (أيشاء الله أن يعصى؟!)، فقال له السني: (أفعصي كارهاً؟!) فما دامت المعصية قد وجدت وأنت تقول: إن الله لا يشاء أن يعصي؛ فإنه إذن قد عصي كارهاً، ونسبة القبيح إلى الله بهذا القول -أن الله يعصي كارهاً- أشد من كل ما توهم المعتزلة أن فيه نسبة القبيح إلى الله؛ فكأن العباد أرغموه على ما لم يرده؛ فلو أن المعتزلي لديه عقل لعلم أن ما أصله وهو يريد به تنزيه الله سبحانه وتعالى يوقعه في شر مما فر منه.