يقول: "فلما بلغت الحادية بعد العشرين أخذت في العلم بشيء من الخطوط الرئيسية في حياة أبي وأمي، وما كان لهما من رأي؛ فكم دهشت حين رأيتني قد اجتزت المراحل بعينها تقريباً التي اجتازها أبي في تطور عقله وشعوره". لقد عرف كيف عاش أبوه وكيف كانت حياة أبيه، وهو قد جاوز العشرين من عمره.
يقول: "كان منتظراً لأبي أن يخوض الحياة السياسية جرياً على تقليد في عائلة راسل، وكانت له في ذلك رغبة، فدخل البرلمان لمدة سنة، لكنه لم يكن له من المزاج ولا من الرأي ما قد كان لابد له منهما إذا أراد لنفسه نجاحاً في السياسة، فما أن بلغ من عمره الحادية بعد العشرين حتى أحس في نفسه كفراً بـالمسيحية، وأبى أن يذهب إلى الكنيسة يوم عيد الميلاد" هكذا تحدث عن أبيه، ويقول: وأنا في نفس العمر وجد عندي هذا الشعور.
يقول: "وقد جعل من نفسه تلميذاً فصديقاً لـجون ستيوارت مل " وهذا أيضاً فيلسوف مشهور، وله اهتمام بجانب المنطق، وهو من أكثر الغربيين كتابة في المنطق، ومحاولة لتغيير المنطق الذي وضعه أرسطو، يقول: "الذي علمت منذ أعوام قليلة أنه كان لي أباً في العماد"، يعني أن أهله أرادوا أن يعمدوه، على طريقة النصارى؛ فإنهم إذا ولد لهم مولود فإنه يُعمَّد؛ بمعنى يغطس في الماء بطريقة معينة، وتلاوات وقراءات معينة، إيذاناً بدخوله في النصرانية، فأي إنسان يدخل في النصرانية أو كان طفلاً، فإنه يعمد علامة على أنه نصراني، وهذا المعمَّد لابد أن يحضره ولي أمره، ولما كان أبو راسل ميتاً؛ أخذ جون ستيوارت مل الذي كان صديق أبيه، وعمَّده، فصار أباه في العماد؛ ولذلك كان بينهما علاقة روحية.
يقول: "وكان أبي وأمي قد تبعا مل في آرائه، ولم يقتصرا في ذلك على الآراء التي صادفت عند الناس قبولاً نسبياً، بل جاوزاها إلى الآراء التي كانت عندئذ تصدم الناس في شعورهم". إن أمه وأباه كانا أيضاً ثوريين، وتعلما من مل وتقبلاً كل آرائه؛ بل دافعا عن آراء مل التي كان يستنكرها الأوروبيون آنذاك.
قال: "مثل حق المرأة في الانتخاب وضبط النسل"، فالذي يراد له في العالم الإسلامي الآن أن يكون طبيعياً جداً كان في أوروبا قبل أقل من قرن أمراً يصدم شعور الناس ولا يتقبلونه، لكنهم بعد ذلك استمرءوه، ثم فرضوا علينا هذه الآراء، حتى أصبحت غير مستنكرة بل هي مقررة في أكثر أنحاء العالم الإسلامي مع الأسف.