ثم قال: [ولا يفعل عندهم بقدرته ومشيئته]، وهذا أيضاً من كفرهم وضلالهم، وهو قولهم بأن الله سبحانه وتعالى لا يفعل بمشيئته وقدرته وإرادته؛ لأنه عندهم علة، والعلة ليس لها إرادة، وإنما هي أمر ذهني (عقلي) تصوري فقط، فمثلاً: قولنا: الحرارة علة في تبخر الماء، فليس هناك إرادة ولا قدرة لا للحرارة ولا للماء، وإنما هو مجرد شيء تصورناه في أذهاننا وجعلناه علة له في الذهن، ويمكن أن نستنتج قاعدة أخرى، أو نستثني من هذه القاعدة.. فهي أمور ذهنية عقلية بحتة.
وبهذا الاعتقاد كفروا بالله تعالى، ونفي الإرادة والمشيئة والقدرة عن الله سبحانه وتعالى مبني على أنه مجرد علة، وليس ذاتاً لها وجود حقيقي، ولها أسماء صفات.
قال: [وإنما العالم عندهم لازم له أزلاً وأبداً]، وذلك لأن المعلول والعلة لا ينفكان، قال: "وإن سموه مفعولاً له"، فإن من الفلاسفة من يقول: إن هذا العالم مصنوع، وأحياناً يقولون: الله الصانع، فهل خرجوا عما قالوه وقرروه؟ يقول الشيخ: "وإن سموه مفعولاً له، فمصانعة ومصالحة للمسلمين في اللفظ"، فإنه في عصر الفلسفة اليونانية التي جاء بها أرسطو وأمثاله، لم يكن هذا الاعتقاد موجوداً، أي: تسميتهم لله فاعلاً وللعالم مفعولاً، أو خالقاً والعالم مخلوقاً، لكن ابن سينا مثلاً لم يستطع أن يقول هذا الكلام؛ لأنه عندما صرح به غيره كفرهم المسلمون ونابذوهم؛ لأن أي مسلم مهما كان قليل العلم، فإنه يعلم أن الله خالق، وأن هذا الكون مخلوق، بل حتى المشركون يقول الله عنهم: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ))[الزخرف:9]، فيثبتون أن الله هو الخالق وأنه العزيز العليم، لكن هؤلاء لا يثبتون شيئاً، فكفرهم شديد جداً، لكنهم يتسترون حتى يسلموا من السيف، ومن أذى المسلمين لهم، فيصانعونهم ويقولون: هو الصانع، والكون مصنوع أو مخلوق، فإذا وجد ذلك من كلامهم فهو مداراة ومصانعة، وأما على أصولهم -أنه علة ومعلول- فمن الخطأ أن نجعله خالقاً ومخلوقاً.