أهمية حديث جبريل في بيان أصول الدين
قال المصنف رحمه الله: [وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته -حديث جبريل- وسؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان... فقال : {أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره}، فهذه الأصول التي اتفقت عليها الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه، ولم يؤمن بها حقيقة الإيمان إلا أتباع الرسل].
هذا الحديث -حديث جبريل- من أعظم الأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك اختلاف في الصحابي الذي رواه، كما أن هناك اختلافاً في ألفاظه، فقد رواه الإمام مسلم في أول الصحيح عن عبد الله بن عمر عن عمر، وهي أتم الروايات، وقد رواها غيره بأسانيد صحيحة، كالإمام ابن مندة في كتاب الإيمان، وأما الإمام البخاري فقد رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ أوجز من رواية الإمام مسلم.
وقد ذكرنا أهمية هذا الحديث، ومما يدل على أهميته: مجيء جبريل بنفسه إلى رسول الله وحوله صحابته، وجبريل يسأله ويصدقه في نفس الوقت، وهذا النوع من الحديث يسمى: العرض، وهو أعلى درجات الوحي، ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ الكلام من عنده، فقال: الإيمان ستة أركان، هي كذا وكذا، والإسلام خمسة، هي كذا وكذا؛ والإحسان هو كذا وكذا، لما كانت قوة هذا الحديث -مع أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله حق- بتلك القوة التي نشأت عن مجيء جبريل، وخاصة أن جبريل دخل على الصحابة بتلك الهيئة، كما قال عمر رضي الله عنه: {بينا نحن جلوس عند رسول الله، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد}، فهو رجل مهيب ولا يعرفه أحد، ثم أخذ يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ويصدقه؛ قال عمر رضي الله عنه: {فعجبنا له يسأله ويصدقه!}، فهذا ليس بأعرابي جاء من البادية، فإن الأعراب مظهرهم غير هذا المظهر، وأسئلتهم غير هذه الأسئلة، وليس عندهم علم حتى يصدقوا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس هذا السائل من علماء الصحابة، فالصحابة كلهم متعارفون، إذاً فقد كان السائل غريباً؛ قال عمر: {لا يعرفه منها أحد}، فلما ذهب قال صلى الله عليه وسلم لـعمر: {هل تدري من السائل؟ قال عمر: فقلت: الله ورسوله أعلم! قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم}.
ومن أهمية هذا الحديث: أنه كان في آخر عمره صلى الله عليه وسلم بعد انصرافه من حجة الوداع وقبيل موته ببضع وثمانين ليلة، فكان هذا الحديث بعد أن اكتمل الدين، وتم التشريع.
والأركان التي ذكرت في هذا الحديث لم تذكر مجتمعة في حديث غيره، وإنما ذكرت متفرقة في عدة أحاديث، ومن هنا كان هذا الحديث أشرف حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.