مسألة: هل يصلى على غير الأنبياء؟
قد عنون الإمام البخاري رحمه الله أحد أبوابه بهذا السؤال، فهل يقال: اللهم صلِّ على فلان، وهو غير نبي؟
مرَّ بنا أن الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم واجبة، وأما على بقية الأنبياء فسنة مؤكدة، وإن قلنا: إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة مؤكدة، فتكون الصلاة على غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم سنة، إلا أنها في حقه آكد.
أما على غير الأنبياء فحديث أبي أوفى المتفق عليه يدل على الجواز، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {اللهم صلِّ على آل أبي أوفى } بل إن قولنا: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)، على القول بأن (آل محمد) هنا كل من تبعه على دينه، فإنه يدخل فيه الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أننا نصلي ونسلم على غيره صلى الله عليه وسلم تبعاً له، فإذا بدأنا به صلى الله عليه وسلم وألحقنا به بعض عباد الله الصالحين فلا بأس، أما إذا أفردنا الصلاة على فلان من الناس دون أن يكون تبعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن هذا لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم دائماً ولا هدي صحابته رضوان الله عليهم.
ومن ذلك هذا الحديث المتفق عليه: {اللهم صلِّ على آل أبي أوفى } فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له مرة واحدة، فأنت إذا دعوت لشخص ما مرة واحدة فلا حرج عليك، وكما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى على آل سعد بن عبادة، والحديث رواه أبو داود والنسائي أنه صلى الله عليه وسلم قال: {اللهم صلِّ على آل سعد بن عبادة }، وكذلك جاء من حديث جابر كما رواه الإمام أحمد وابن حبان أن زوجته قالت: يا رسول الله! صل على جابر فقال: {اللهم صلِّ على جابر }، فهذه الثلاثة المواضع -حسبما ذكر الحافظ رحمه الله- صلّى النبي صلى الله عليه وسلم فيها على أشخاص بأعيانهم، والصلاة هنا يختلف حكمها عن قولنا: (رحمه الله، غفر الله له، رضي الله عنه)، فإن الدعاء بهذه الأمور لا بأس به ولا حرج مطلقاً.
قد يسأل سائل ويقول: قولنا: (اللهم صلِّ على آل أبي أوفى ) هل معناه الثناء؟ لأنه إذا كانت الصلاة على النبي من الله أن يثني عليه في الملأ الأعلى، فما الفرق بينه وبين غيره من المؤمنين؟ نقول: قد ورد حديث يدل على ثناء الله على عباده المؤمنين وهو: {أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه} ؛ غير أن هناك فرقاً بين ثناء الله سبحانه وتعالى على أحد من خلقه، وبين ثنائه على رسوله صلى الله عليه وسلم.