المحبة والخلة صفتان ثابتتان لله تعالى ولكن زاد أهل الضلال والتصوف صفةً ينسبونها إلى الله أو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي العشق يقولون: (العشق الإلهي) كما كتب الدكتور عبد الرحمن البدوي كتاب رابعة العدوية شهيدة العشق الإلهي مثلاً.
فهل يوصف الله سبحانه وتعالى بهذه الصفة؟ لا يجوز أن يوصف الله بهذا الوصف، ولا يجوز أن يقال: عشق الله فلاناً، وكذلك لا يجوز أن يقال: إن فلاناً عشق الله، بل ذلك لا يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم أيضاً، فهذا الوصف لم يثبت أولاً لا في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من السلف، وإنما نقله الصوفية من كلام مجانين العرب (مجانين العشاق) والسبب: أن هذه الصفة صفة نقص لا صفة كمال -وقد علمنا أن القاعدة العامة في صفات الله سبحانه وتعالى تنص على أن أي صفة كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه تطلق على الله سبحانه وتعالى، لأن باب الوصف أعم من باب التسمية- حتى أن العشق في حق المخلوقين من صفات النقص، وإن كتب من كتب، وألف من ألف في العشق وقال: إن العشق كمالات وفضائل، فكل هذا الكلام لا قيمة له في ميزان أهل الكمال الحقيقي، أو في ميزان أهل الحكمة وأهل الأخلاق الحقيقية، فالعشق صفة نقص، فلا يوصف به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما ما يقوله الصوفية وأشباههم، وما يردده العامة وخاصة في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا من المنكر الذي يجب أن يحمى جنابه صلى الله عليه وسلم منه، كما يكتبون على اللوحات من العبارات: (عاشق النبي يصلي عليه) اللهم صلِّ وسلم عليه!! ولو قالوا: محب النبي صلى الله عليه وسلم، لكان خيراً لهم من قولهم: عاشق النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الصوفية عندما رأوا أن العرب يتعلقون ويتولهون بمحبة مخلوقة من البشر قد لا تساوي شيئاً، ورأوا أن هذا واقع في حق الناس، قالوا: الأولى أن ينصرف هذا إلى الله وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم بإطلاق، دون أن ينظروا هل في ذلك نقص، وهل ذلك يليق بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم أو لا يليق؛ ومن هنا امتلأت دواوين وكتب التصوف بما في دواوين الغزل عند العرب، وأكثر من ذلك ابن الجوزي رحمه الله في مواعظه، فكان يأتي بأبيات مهيار و يستعير معناها، وكذلك ابن القيم رحمه الله ينقل بعض الأبيات لكنه يأتي بها على سبيل الاستعارة، كأبيات المجنون عندما يتحدث عن محبوبته وعن ديارها، فيستعيرها ابن القيم رحمه الله إلى مكة وإلى الكعبة وإلى المشاعر وما أشبه ذلك، لكن الصوفية خرجوا عن ذلك حتى أصبحوا يخاطبون الله سبحانه وتعالى، فخرجوا عن المألوف في كون ذلك استعارة إلى أن صاروا يخاطبون الله سبحانه وتعالى ويتعبدونه، ويبتهلون إليه بأبيات غزلية كما كان الشبلي يقول:
إن بيتاً أنت ساكنه            غير محتاج إلى السرج
وجهك المأمول حجتنا            يوم يأتي الناس بالحجج
فـالشبلي سمع رجلاً يتغزل في جارية أعجبته، فقال هذا الكلام فيها:
فأعجبت الشبلي هذه الأبيات فأصبح يناجي الله تعالى بها.
ولا يصح مثل هذا، ولو أنها بقيت على سبيل الاستشهاد أو الاستعارة أو النقل لقبلت، أما إذا خرج الشيء عن حده فإنه لا يجوز، والمقصود أن وصف العشق لا يطلق على الله تبارك وتعالى، ولا على الرسول صلى الله عليه وسلم، بخلاف المحبة والخلة فإنهما ثابتتان في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الغيرة وسنذكر أدلتها لاحقاً إن شاء الله.