فلا إله إلا الله كم يستفيد الإنسان من هذه الأحوال والقصص من عبر، منها: أننا لا ننظر إلى مجرد نية أو قصد أهل البدع، ومن أصّل مذهبه على خلاف الكتاب والسنة وعاند، ونقول: إنه كان يريد إثبات الحق ونصر الدين.. !! نعم. نحن لا نشك أنه يوجد أناس عندهم حسن نية، ومع ذلك تجدهم يضلون الناس ضلالاً بعيداً.وكذلك لا نستصغر أي بدعة أو صاحب بدعة، فلا يقولن قائل: ماذا يفعل الجهم بن صفوان أمام العلماء المتكاثرين من التابعين وتابعي التابعين في ذلك الزمن ليقل ما يشاء فلن يؤثر؟! هذا ليس بصحيح، فأنت لو نظرت إلى أكثر المسلمين اليوم -مع ما حورب به الجهم- لوجدتهم على عقائد الجهمية ! إذاً فلا نهون من شأن البدع التي تخرم الدين، بل نقف لها بالمرصاد، هذه عبرة.
ومن العبر -أيضاً- أننا لا نغتر بالمظاهر ولا ننخدع بها مهما كان مظهر أهل البدع، فإن عمرو بن عبيد بلغ به من الزهد والورع، حتى كان يدخل على أبي جعفر المنصور وبعض الخلفاء فيعظهم حتى يبكيهم، فيذكرهم حقارة الدنيا وأهوال الآخرة، ويخوفهم بالله عز وجل، ثم إذا أعطي عطية يرفض العطية ولا يأخذ شيئاً من الأموال، ويخرج؛ حتى يظهر الزهد -والله أعلم أهو زهد مفتعل أو حقيقي- فقيل: إن المنصور قال فيه:
كلكم يمشي رويدا ... كلكم طالب صيد ... غير عمرو بن عبيد .
يعني هو الذي لا يطلب الصيد، ولا يعظ لأجل الدنيا، وإنما يعظ لأجل أن تبرأ ذمته، ويحتسب الأجر عند الله، لكن في الحقيقة كان رأساً في ضلالة الاعتزال.