ثم يعقد فصلاً في مسألة اسم الله (الأعلى) فيقول: "(الأعلى) على وزن أفعل التفضيل، مثل الأكرم والأكبر والأجل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قال أبو سفيان : اعلُ هبل.. اعلُ هبل -وذلك في يوم أحد - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {ألا تجيبونه؟ قالوا: وما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل} وهو مذكور بأداة التعريف (الأعلى) مثل: ((وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ))[العلق:3].
بخلاف ما إذا قيل: (الله أكبر)؛ فإنه منكر؛ ولهذا معنى يخصه يتميز به، ولهذا معنى يخصه يتميز به، كما بين العلو والكبرياء والعظمة، فإن هذه الصفات وإن كانت متقاربة، بل متلازمة، فبينها فروق لطيفة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تعالى: {العظمة إزاري، والكبرياء ردائي؛ فمن نازعني واحداً منهما عذبته} فجعل الكبرياء بمنزلة الرداء، وهو أعلى من الإزار، ولهذا كان شعائر الصلاة والأذان والأعياد والأماكن العالية هو التكبير، وهو أحد الكلمات التي هي أفضل الكلام بعد القرآن -سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر- كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجئ في شيء من الأثر بدل قول: (الله أكبر) الله أعظم"، وبعض الحنفية يقولون: يجوز للإنسان أن يقول في الإحرام بالصلاة: الله أعظم بدلاً من قوله: الله أكبر، وهذا قول مرجوح، فإن هذا الاسم له معنى وذاك الاسم له معنى آخر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولهذا كان جمهور الفقهاء على أن الصلاة لا تنعقد إلا بلفظ التكبير؛ فلو قال: (الله أعظم) لم تنعقد به الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم} وهذا قول مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف وداود وغيرهم، ولو أتى بغير ذلك من الأذكار -مثل سبحان الله والحمد لله- لم تنعقد به الصلاة، ولأن التكبير مختص بالذكر في حال الارتفاع، كما أن التسبيح مختص بحال الانخفاض؛ كما في السنن عن جابر بن عبد الله قال: {كنا مع رسول الله إذا علونا كبَّرنا، وإذا هبطنا سبَّحنا؛ فوضعت الصلاة على ذلك}، {ولما نزل قوله: ((فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ))[الواقعة:74] قال: اجعلوها في ركوعكم، ولما نزل: ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى))[الأعلى:1] قال: اجعولها في سجودكم}.
والإنسان في حال ركوعه وسجوده يسبح، ففي حال الانخفاض بالسجود يسبح، ويقول: سبحان ربي الأعلى، وفي حال الركوع يقول: سبحان ربي العظيم".
ثم قال رحمه الله: "والمقصود هنا: أن التسبيح قد خصّ به حال الانخفاض، كما خص حال الارتفاع بالتكبير، فذكر العبد في حال انخفاضه وذله ما يتصف به الرب مقابل ذلك، فيقول في السجود: سبحان ربي الأعلى، وفي الركوع: سبحان ربي العظيم".