قال المصنف: [بما يجب له ويمتنع عليه] لأن المتكلمين يجعلون العقيدة في الله على ثلاثة أقسام: ما يجب له، وما يمتنع عليه، وما يجوز في حقه.
وهذا التقسيم باطل؛ لأنه تقسيم بحسب القسمة العقلية، والقسمة العقلية لا تستوفي القضية، وإن ظن أهلها أنها كذلك، ومن ذلك مثلاً: أنهم يقولون: مما يمتنع على الله تعالى وجود شريك معه، ومما يجب لله تبارك وتعالى إثبات أنه حي.
فما يمتنع عليه هو المستحيل الذي لا يمكن أن يكون، وما يجب له هو الذي يستحيل خلافه؛ لكن بينهما شيء واحد فقط بحسب القسمة العقلية؛ هذا الشيء هو الجائز عقلاً، ويدخلون فيه أنه تعالى يرسل الرسل، وينـزل الكتب، فيجعلون هذا من أقسام الجائز عقلاً.
فنقول لهم: كونه تعالى يخلق فلاناً من الناس.. يحييه أو يميته، أو يخلق شجرة، أو جبلاً، أو بحراً.. من أي باب هو؟ قالوا: هذا من باب الجائز أيضاً؛ لأنه لا يجب أن يثبت ذلك لله، وكذلك لا يمتنع ولا يستحيل أن يثبت ذلك لله.
فهم قد ساووا بين إيجاد تلك المخلوقات، وبين إرسال الرسل وإنزال الكتب؛ فنستنتج من هذا: أن جانب الحكمة لا يدخل تحت هذه القسمة العقلية.
والله سبحانه وتعالى يفعل أشياء بحكمته، ويفعل أشياء أخرى بمشيئته، فإن هناك أشياء يخلقها الله بمشيئته سبحانه وتعالى، وهناك أشياء تكون فيها زيادة على مجرد المشيئة، كأن يقترن بالمشيئة محبة، أو حكمة أخص، فلله الحكمة في كل فعل وفي كل أمر؛ وهناك تصريف وتدبير لله سبحانه وتعالى في هذا الوجود، فهو يخص كل شيء بما يناسبه وفقاً لحكمته سبحانه وتعالى، وعندما نحصر القسمة بهذه القسمة العقلية في ثلاثة أقسام، تكون هذه القسمة باطلة، والنظر في صفات الله سبحانه وتعالى بمنظار العقل وحده وبمنطقه سبب لوقوع الخطأ والضلال، والذي تؤخذ عنه صفات الله سبحانه وتعالى هو كتاب الله الكريم وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس بالله، وهو الذي عرفهم بربهم عز وجل، فلا أحد أعلم وأعرف بربه منه صلى الله عليه وسلم، ولا أحد يُعلِّم الناس ويعرفهم بصفات الله سبحانه وتعالى أعلم منه صلى الله عليه وسلم.