أهل السنة لا يكيفون صفات الله
ثم قال ابن عبد البر رحمه الله: "الذي عليه أهل السنة وأئمة الفقه والأثر في هذه المسألة وما أشبهها الإيمان بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها والتصديق بذلك، وترك التحديد والكيفية في شيء منه".
ثم أخذ ينقل الأقوال عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن حديث عبد الله : {إن الله عز وجل يجعل السماء على إصبع}، وحديث: {إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن}، {إن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق}، {إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة}، ونحو هذه الأحاديث -وسفيان بن عيينة هو شيخ الإمام أحمد من أجل علماء السلف رضي الله عنهما- فقال: [[هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف]].
وبسند آخر عن الوليد بن مسلم قال: "سألت الأوزاعي -إمام أهل الشام - وسفيان الثوري -إمام أهل العراق - ومالك بن أنس -إمام أهل المدينة - والليث بن سعد -إمام أهل مصر - عن هذه الأحاديث التي جاءت في الصفات؛ فقالوا: [[أمروها كما جاءت بلا كيف]] أي: آمنوا بها، واعتقدوا معانيها كما وردت على ظاهرها بلا كيف.
ثم ينقل أبو عمر عن يحيى بن معين "يقول: شهدت زكريا بن عدي سأل وكيع بن الجراح، فقال: يا أبا سفيان! هذه الأحاديث يعني: مثل: [[الكرسي موضع القدمين]] ونحو هذا؟ فقال: أدركت إسماعيل بن أبي خالد وسفيان ومسعراً يحدثون بهذه الأحاديث، ولا يفسرون شيئاً" يعني لا يخوضون في شيء منها بالتحريف والتأويل، وإنما يحملونها على ظاهرها.
ثم ساق ابن عبد البر رحمه الله الإسناد إلى عباس بن محمد الدوري، قال: "سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام وذكر له عن رجل من أهل السنة أنه كان يقول: هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية و[[الكرسي موضع القدمين]]، و{ضحك ربنا من قنوط عباده}، و{إن جهنم لتمتلئ} وأشباه هذه الأحاديث، وقالوا: إن فلاناً يقول: يقع في قلوبنا أن هذه الأحاديث حق، فقال: ضعفتم عندي أمره! هذه الأحاديث حق لا شك فيها، رواها الثقات بعضهم عن بعض؛ إلا أنا إذا سئلنا عن تفسير هذه الأحاديث لم نفسرها، ولم نذكر أحداً يفسرها.
وقد كان مالك ينكر على من حدث بمثل هذه الأحاديث" .. إلى آخر ما ذكره رحمه الله من نقول يضيق المقام عن ذكرها، ولكن حسبنا ما بيناه من كلام هذا الإمام الجليل وأمثاله من السلف والعلماء المتقدمين في مثل هذه الأحاديث، لنعرف بذلك بطلان تعطيل الخلف المتأخرين.