يقول: [ولو لم يتصف سبحانه بفوقية الذات، مع أنه قائم بنفسه غير مخالط للعالم، لكان متصفاً بضد ذلك] أي: أنه يتحتم أن يوصف بالفوقية، وإلا لزم أن يوصف بضد ذلك؛ لأننا أقررنا أن له وجوداً حقيقياً، أي: ذاتاً قائمة مستقلة بنفسها، موجودة خارج الذهن، وقلنا: لا يمكن أن يوصف بالعدم المحض بأن ننفي عنه كل الجهات بإطلاق، فنقول: ليس خارج المخلوقات ولا داخلها ولا أمامها ولا خلفها ولا فوقها ولا تحتها، فمن كان بهذه الصفة، فذاته غير موجودة أصلاً أو غير موجودة في الواقع، فلابد من تحديد جهة؛ إما العلو وإما السفل، فالعلو من الكمال، والسفل من النقص. وقولنا: (الجهة) إنما نقصد منه: الجهة بالنسبة للمخلوقات، أي: أن يكون عالياً عليها أو سافلاً عنها. [لأن القابل للشيء لا يخلو منه أو من ضده]. وهذه قاعدة عقلية معروفة، فأي شيء يقبل وصفاً ما، لا يخلو منه أو من ضده، فمثلاً: الإنسان يقبل أن يكون عالماً؛ فلا يخلو أي إنسان من العلم أو من ضده، فإما أن يكون عالماً أو غير عالم، ومستحيل أن تقول: لا هو عالم ولا هو جاهل بقصد رفع النقيضين معاً، لكن إذا قصدت أنه وسط بينهما فهذا شيء آخر؛ أما رفع النقيضين فهو محال عقلاً، ويستلزم رفع النقيضين في مسألتنا هذه -وهما العلو والسفول- أنه لا وجود له تعالى الله عن ذلك. يقول: [فإن القابل للشيء لا يخلو منه أو من ضده، وضد الفوقية: السفول، وهو مذموم على الإطلاق؛ لأنه مستقر إبليس وأتباعه وجنوده]. وكذلك الجنة والنار، فالأعلى فيهما الجنة بلا شك؛ لأن سقفها عرش الرحمن، والنار -نعوذ بالله منها- في أسفل سافلين، فأي شيئين يتقابلان نجد أن العلو للأكمل منهما والأشرف، وأن السفول مذموم. فلا يمكن أن تثبت النقيضين معاً أو تنفي النقيضين معاً، ولابد أن تثبت أحدهما وتنفي الآخر، فإن أثبتهما معاً كان هذا من باب إثبات النقيضين وهو محال، وإن نفيتهما معاً كان هذا من باب رفع النقيضين، وهذا محال أيضاً، فتعين أن تثبت له إحداهما، فأيهما تثبت له سبحانه وتعالى؟ تثبت له الصفة التي فيها الكمال اللائق بالله عز وجل، فيتعين إثبات العلو.