يقول رحمه الله: [ولا ريب أن الله سبحانه لما خلق الخلق لم يخلقهم في ذاته المقدسة...] إلى آخر كلامه.
معنى كلامه رحمه الله أنه قد ثبت لنا أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون وهذه المخلوقات؛ فإما أن يقال: إنه خلقها في ذاته المقدسة، وإما أن يقال: خلقها خارج ذاته، والعقلاء والمؤمنون به تعالى في كل ملة يقولون: إن الله خلقها خارج ذاته.
فنقول: إذا كان خلقها خارج ذاته المقدسة، فإما أن تكون الذات المقدسة فوق المخلوقات، فنصفها بصفة الكمال الذي لا نقص فيه ولا عيب، وهي الفوقية، فتكون فوق هذه المخلوقات عالية عليها، وإما أن توصف بضد ذلك، والعقلاء وكل من يعرف الله سبحانه وتعالى ويقدره حق قدره يقول: بل الذات المقدسة فوق المخلوقات، فيكون هذا دليلاً واضحاً بالعقل والبديهة على علو الله سبحانه وتعالى.
يقول المصنف: [ولا ريب أن الله تعالى لما خلق الخلق، لم يخلقهم في ذاته المقدسة -تعالى الله عن ذلك- فإنه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، فتعين أنه خلقهم خارجاً عن ذاته] وفسر الصمد في كلام السلف: بأنه الذي لا جوف له، فالمخلوقات تكون خارجاً عن ذاته -سبحانه وتعالى- بدليل هذه السورة وغيرها، ومعلوم لدى جميع العقلاء وجميع الأديان والفطر أنه سبحانه وتعالى إنما خلق العالم خارج ذاته المقدسة، فإذا كان خلقهم خارج ذاته، فإن الأكمل بالنسبة له سبحانه وتعالى أن تكون ذاته المقدسة فوق جميع مخلوقاته.