إن هذه الأسماء -التي اضطرب الناس في فهمها وفي تفسيرها- قد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جليل، وهو من أفضل الأدعية والأذكار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يرددها ويدعو بها.
ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا إذا أخذ أحدنا مضجعه أن يقول: {اللهم رب السماوات والأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر}.
في هذا الحديث نجد أنه صلى الله عليه وسلم قد توسل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى، وبالثناء عليه، والثناء على الله من أعظم الوسائل في التوسل إليه ودعائه؛ يشهد على ذلك أحاديث كثيرة جداً؛ ومنها دعاء الكرب؛ فالإنسان إذا أثنى على الله تعالى كان ذلك أرجى لقبول دعائه؛ فهو صلى الله عليه وسلم يثني على الله بهذا الثناء العظيم الجليل من إثبات ربوبية الله المطلقة؛ فهو رب السماوات ورب الأرض ورب كل شيء، ورب كل دابة هو آخذ بناصيتها سبحانه وتعالى؛ فالاستعاذة به هي استعاذة بمن يملك الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، وهو ملك كل شيء، ومالك كل شيء.
فمن استعان أو استغاث غير الله في دفع ما يصيبه، فقد التجأ إلى ضعيف فقير مخلوق محتاج مثله، وترك الغني العظيم سبحانه وتعالى الذي بيده نواصي كل هذه المخلوقات، وهو ربها جميعاً.
ثم أثنى عليه الصلاة والسلام على الله بأنه هو الذي مَنَّ على الناس بهاتين الحياتين:
الحياة الطبيعية: وهي التي يحياها الناس والأشجار والمخلوقات التي خلقها الله تعالى وبثها في هذا الكون، والتي يبعثها الله بإنزال المطر؛ فهو فالق الحب والنوى ومنزل الغيث؛ فبعد أن كانت الأرض خاشعة جامدة نجدها قد اهتزت ونمت وأنبتت حدائق ذات بهجة... وكل أنواع هذه الحياة: مصدرها تنزيل الله لهذا الغيث وإنعامه على هذه المخلوقات به.
الحياة القلبية: وهي الحياة الإيمانية التي إذا فقدها صاحبها كان كالحيوانات التي لا تعقل ولا تعي ولا تتحلى بمكارم الأخلاق ولا بالقيم والمبادئ، وهذه الحياة هي التي منّ الله بها على العباد بإنزال الكتب السماوية: التوراة، والإنجيل، والقرآن.. فالله أنزل هذه الكتب لتحيا بها القلوب، كما أنه أنزل الغيث لتحيا به الأرض والأنعام والنباتات.