قال النبي صلى الله عليه وسلم: {تلبثون ما لبثتم، ثم يتوفى نبيكم}، وهذا له مناسبة بعد ذكر استئثار الله تعالى بمفاتيح الغيب الخمسة، فهو مما أطلع الله تعالى عليه نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن الله سبحانه يطلع رسوله على بعض الغيب، كما قال تعالى: ((إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ))[الجن:27]، ومنه هذا الأمر الذي جلست الوفود تستمع إليه وتعجب منه.
وأكبر مصيبة نزلت بالمسلمين إلى قيام الساعة هي وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فكل شيء فُقِدَ فهو هين بالنسبة إلى المصاب به صلى الله عليه وسلم، وبعثته صلى الله عليه وسلم ووفاته من علامات الساعة.
قال: {ثم تلبثون ما لبثتم}، أي: تلبثون بعد ذلك ما يشاء الله من القرون والأحقاب.
{ثم تبعث الصائحة}، الصيحة أو الصائحة، يعني: القيامة، ينفخ في الصور فتقوم القيامة، ويكون ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الدنيا مثله.
يقول: {فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها شيئاً إلا مات}، كما قال الله تعالى: ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ))[الرحمن:26]، وقوله تعالى: ((وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ))[الزمر:68] هذه هي النفخة الأولى، فلا يبقى شيء مما كتب الله تبارك وتعالى عليه الموت إلا ويموت ويصعق.
قال: {والملائكة الذين مع ربك عز وجل}، حتى الملائكة يموتون مع من يموت.
قال: {فأصبح ربك عز وجل يطوف في الأرض، وخلت عليه البلاد}، فلم يبق إلا هو سبحانه وتعالى، فسوف تخلو الأرض، ويخلو الكون من كل ديّار وساكن.
يقول: {فأرسل ربك عز وجل السماء تهضب من عند العرش} أي: تهطل وينزل المطر من عند العرش، بعد أن يكون قد فني كل من عليها، وأصبحت قاعاً صفصفاً، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً.
{فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت، إلا شقَّت القبر عنه حتى تخلفه من عند رأسه فيستوي جالساً}، وذلك كالزرع -مثلاً- إذا حصد ولم يبق منه إلا الجذع اليابس، فيأتي بعد ذلك الخلف وهو ما ينبت من جديد، ثم يكون ساقاً جديدة، وأول ما يبدأ ينمو من الميت يكون من عند رأسه، فيستوي جالساً.
ينزل الله تعالى المطر على هذه العظام البالية والرمم القديمة، التي لو تأملها إنسان ما رأى منها شيئاً، كما جاء في القرآن خبر من أعمى الله تعالى بصيرته، حين أخذ عظاماً بالية فحتها ثم قال: ((مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ))[يس:78] قال تعالى: ((قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ))[يس:79] قال: {فيقول ربك عز وجل: مهيم؟ لما كان فيه}، أي يسأله: ما علمك؟! ما خبرك يا ابن آدم؟ : {يقول: يا رب! أمس، اليوم؛ لعهده بالحياة، يحسبه حديثاً بأهله}، فكل إنسان يظن أنه لم يمت ولم يفارق أهله إلا أمس أو اليوم، مع أن له آماداً لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.