معاني الاستواء عند ابن القيم
نأخذ الوجه الأول؛ لأن المهم عندنا هو معرفة معنى الاستواء في لغة العرب، وإذا فقهناه فما بعده فهو واضح، يقول ابن القيم رحمه الله: "أحدها: أن لفظ الاستواء في كلام العرب الذي خاطبنا الله تعالى بلغتهم، وأنزل بها كلامه نوعان: مطلق ومقيد، فالمطلق: ما لم يوصل معناه بحرف" أي: لا يتعدى بحرف (إلى) ولا (على) ولا أي حرف من الحروف المتعدى بها.
يقول: "مثل قولـه تعالى: ((وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى))[القصص:14] وهذا معناه كمل وتمَّ، يقال: استوى النبات واستوى الطعام" بمعنى: نضج، فاستوى بمعنى: تمَّ وكمل ونضج، هذا المطلق.
قال: "وأما المقيد فثلاثة أضرب" أي: بحسب الحرف الذي يتعدى به فعل (استوى).
"أحدها: مقيد بـ(إلى)، كقوله تعالى: ((ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ))[فصلت:11]، واستوى فلان إلى السطح، وإلى الغرفة، وقد ذكر الله سبحانه هذا المعدى بـ(إلى) في موضعين من كتابه: في البقرة في قوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ))[البقرة:29]، والثاني في سورة السجدة قوله تعالى: ((ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ))[فصلت:11]".
ومقصوده رحمه الله سورة فصلت، وقال: في سورة السجدة؛ لأن فيها سجدة، فهو من باب تعدد أسماء السور، فإذا قيل: (الم السجدة) فهي تلك المعروفة عندنا بسورة السجدة، أما إذا قيل: (حم السجدة) فهي (فصلت).
يقول: "وهذا بمعنى العلو والارتفاع بإجماع السلف، كما سنذكره ونذكر ألفاظهم بعد إن شاء الله.
والثاني: مقيد بـ(على)، كقوله تعالى: ((لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ))[الزخرف:13] وقوله: ((وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ))[هود:44] وقوله: ((فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ))[الفتح:29] وهذا أيضاً معناه العلو والارتفاع والاعتدال، بإجماع أهل اللغة.
الثالث: المقرون بواو (مع)، التي تعدي الفعل إلى المفعول معه، نحو: (استوى الماء والخشبة)، بمعنى: ساواها" واستوى زيد وعبد الله، أي: تساويا، إما في العلم، أو في العمر، أو وصلا إلى غاية السباق سواء، ونقول: استوى زيد وعبد الله، أي: تماثلا وتشابها كما تقدم في كلام ابن الأعرابي .