إن الذين خالفوا في موضوع العلو انقسموا إلى مذهبين: مذهب المتكلمين والفلاسفة، وعليه أكثر الأشاعرة، وهو: أن الله تعالى لا داخل العالم ولا خارجه، ولا أمامه ولا خلفه، ولا عن يمينه ولا عن شماله، فهم يقولون بنفي الجهات الست عن الله تعالى؛ لأن الجهة -بزعمهم- من خصائص المخلوقات، وهذا ما سيأتي الرد عليه في المقام الثالث، فهم يقولون: إنما ننفي ذلك حتى لا نكون مشبهين أو ممثلين أو مجسمين.. هكذا يظنون! وكان مما رد به عليهم شيخ الإسلام أن قال: (إن هذا وصف المعدوم)؛ إذا سألك إنسان: أين فلان؟ فقلت: لا داخل البيت ولا خارجه، فمعنى ذلك أنك تريد أن تنفي وجوده عن كل الكون، وأنه لا يوجد شخص بهذا الاسم أصلاً؛ لا داخل البيت ولا خارجه؛ ولو قلت: إنه ليس داخل البيت، لظنوا أنه خارجه، ولو قلت: إنه ليس خارج البيت، لظنوا أنه داخله، أما قولك: لا داخل البيت ولا خارجه، فإنه وصف المعدوم، وهذا -كما يقولون في فلسفتهم- رفعٌ للنقيضين، والنقيضان رفعهما محال، وكذلك إذا قلت: هو داخله وخارجه، فقد أتيت بما تحيله العقول؛ لأن اجتماع النقيضين أيضاً محال.