يقول
ابن تيمية : "وهو سبحانه وتعالى ممتدح بأنه ذو العرش، كقوله سبحانه: ((
قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا))[الإسراء:42]"، فذو العرش إذن هو الإله الحق، "وقوله تعالى: ((
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ *
يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ))[غافر:15-16] وقال تعالى: ((
وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ *
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ))[البروج:14-15]، وقد قرئ (المجيدُ) بالرفع صفة لله، وقرئ بالخفض صفةً للعرش".
ومن الغرائب أن الإمام
ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله ذكر في مقدمة
الرسالة المعروفة في المذهب المالكي -وهو الذي كان يسمى: (
مالك الصغير) لسعة علمه وفقهه- ذكر صفات الله سبحانه وتعالى في أولها وقال: (استوى على عرشه المجيد بذاته)؛ فأتى بكلمة (بذاته) حتى يقطع الطريق على المؤولين، فقرأها الشراح من المالكية بعد أن أصبحوا
أشاعرةً هكذا: (وأنه تعالى على عرشه). فقالوا: نقف هنا ثم نقرأ: (المجيدُ بذاته)، فقالوا: إن
ابن أبي زيد يصف الله سبحانه بأنه المجيد بذاته..! والله تعالى هو القادر بذاته، والعليم بذاته، والحكيم بذاته؛ فلم يكتفوا بتأويل كلام الله، بل أولوا حتى كلام العلماء الذي لا يحتمل التأويل، وهو رحمه الله حين جاء بكلمة (بذاته)، جاء بها عامداً ليقطع طريق التأويل، وحتى لا يقول أحد: إنه في كل مكان! أو يزعم أنه لا داخل العالم ولا خارجه كما يقولون، ومع ذلك حرفوا كلامه كما حرفوا كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر
شيخ الإسلام رحمه الله أحاديث تدل على مقصوده كحديث: {
سبحان الله عدد خلقه، وزنة عرشه، ورضاء نفسه، ومداد كلمات} وحديث الصعق، وفيه: {
وأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذاً بقائمة من قوائم العرش} وحديث: {
اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ }.
ثم ذكر رحمه الله الأحاديث الدالة على أن العرش هو سقف جنة الفردوس جعلنا الله من أهلها؛ كحديث: {
إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تتفجر أنهار الجنة} يقول رحمه الله: "ولفظ الفلك يدل على الاستدارة مطلقاً؛ كقوله تعالى: ((
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ))[الأنبياء:33]. وقوله تعالى: ((
لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ))[يس:40] يقتضي أنها في فلك مستدير مطلقاً كما قال
ابن عباس رضي الله عنهما: [[
في فلكة مثل فلكة المغزل]]" فلْكة بسكون اللام، أو فلَكة بفتح اللام ولعلها بالفتح أصح؛ هي التي يدور المغزل حولها، وهي معروفة عند أهل البادية.
ثم قال: "وأما لفظ (القبة) فإنه لا يتعرض لهذا المعنى؛ لا بنفي ولا إثبات؛ لكن يدل على الاستدارة من العلو؛ كالقبة الموضوعة على الأرض" ذكر شيخ الإسلام هذا التوجيه منه للفظ (القبة)؛ لأنه قد أورد حديث الأعرابي، وفيه: {
وإن عرشه على سمواته وأرضه هكذا، وقال بأصابعه مثل القبة }؛ لكن الحديث ضعيف غير ثابت.