عنون رحمة الله عليه فيما يتعلق بذم الجدل بقوله: "سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن مناظرة أهل البدع وجدالهم، والمكالمة معهم، والاستماع إلى أقوالهم المحدثة وآرائهم الخبيثة".
وذكر عدة أحاديث منها:
الحديث الأول عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {
ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم} رواه الإمام
البخاري .
ثم ذكر الحديث الآخر عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: {
أن نفراً كانوا جلوساً بباب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا، قال: فسمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فكأنما فقئ في وجهه حَبُّ الرمان} وذلك لما سمع من الاختلاف والجدال في كتاب الله، {
فقال: بهذا أمرتم؟ أو: بهذا بعثتم أن تضربوا القرآن بعضه ببعض؟ إنما هلكت الأمم قبلكم في مثل هذا، فانظروا الذي أمرتم به فاعملوا به، وانظروا الذي نهيتم عنه فانتهوا عنه} أي: وما كان خلاف ذلك وكان غيباً ولا عمل تحته؛ فلا تجادلوا فيه.
ومما ذكر أيضاً حديث
عائشة رضي الله عنها: {
أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: (( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ))[آل عمران:7] حتى بلغ: (( وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ ))[آل عمران:7]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه؛ أولئك الذين سماهم الله فاحذروهم} أخرجه
البخاري و
مسلم .
ثم ذكر حديث
علي رضي الله عنه وهو في
الصحيحين وغيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{
المدينة حرام ما بين عَيْر إلى ثور -بين الجبلين المعروفين- فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى فيها محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً} فهذا حال من أحدث أو من آوى المحدث، وأكثر الروايات فيها: (من آوى أهل البدع) فكيف بالمبتدع؟! فكيف بمن هو رأس في البدعة والضلالة؟
فعقوبته أن عليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين، وهذه هي اللعنة التي لعن الله سبحانه وتعالى بها الكافرين كفراً مطلقاً جلياً.
ثم قال: {لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً} أي: لا يقبل الله منه أي عمل عمله، أي: وإن اجتهد في العبادة، وبذل وسعه وجهده في الطاعة، والصلاة، والحج، والجهاد، وهو على هذه البدعة والضلالة، وقد قامت عليه الحجة ولكنه رفضها ورفض السنة؛ فإن الله تعالى لا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً، ومما قيل في معناه: إنه لا يقبل منه فريضة ولا نافلة، والمقصود في النفي هنا هو النفي المطلق، أي أن الله تعالى لا يقبل منه أي عمل؛ لأن هذا حاله وهذا شأنه من الابتداع.
ثم ذكر أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: {ليسألنكم الناس عن كل شيء، حتى يقولوا: خلق الله كل شيء، فمن خلق الله؟} وهكذا كما قال أبو هريرة رضي الله عنه: [[الله أكبر! ما حدثني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بشيء إلا وقد رأيته، أو أنا أنتظره]] أي: أن كل ذلك قد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق.