قد يعرض للإنسان الفتور والانقطاع، وهذا من أكثر ما يعرض لكل عباد الله إلاَّ من رسخ في قلبه الإيمان والتقوى، وبلغ درجة الصديقين ومنزلة المحسنين، أما أكثر الناس -ولا سيما في بداية الطريق- فهذا حالهم وشأنهم، فمهما عزموا وأكدوا العزم، فإنهم يعتريهم شيء من الضعف، ثم قد يثبت الإنسان، ويراجع نفسه، ويشحذ همته، ويجدد عزيمته، فيوفقه الله سبحانه وتعالى لبلوغ الغاية، وقد يكون عقب ذلك الانقطاع الضياع والهلاك.
فيقول: "وتارة يوطن نفسه على الصبر، ثم ينفسخ عزمه ولا يستمر معه، لضعف علمه وبصيرته وصبره"، وقد ذكرنا ما قاله بعض العباد من السلف الصالح عندما سئل: بم عرفت ربك؟ فقال: بضعف الهمم، وانفساخ العزائم.
إن الطريق إلى رضوان الله سبحانه وتعالى وإلى جنته محفوف بالمكاره، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات}، وقال الله تعالى: ((آلم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ))[العنكبوت:1-2] فلابد من الفتنة ولابد من اللأواء، والمشقة في هذه الطريق، والإنسان إذا أراد السير فيه، فإن أول ما يبدأ به هو أن يعزم عزماً قوياً مؤكداً على أن يستمر حتى يصل إلى مقصوده ومراده.. هذه أول مرحلة، وكثير من الناس يتعثر ويسقط في هذه المرحلة لضعف همته! فمثلاً: بعض الناس يعزم ويؤكد العزم على أن يحافظ على صلاة الجماعة فقط.. هذه غاية همته، وما عدا ذلك فلا يهتم به، فهمته ضعيفة؛ ولو أنه وطن نفسه على ما هو أعظم من ذلك، كالالتزام بنوافل وسنن وآداب أخرى من هذا الدين، لكانت محافظته على صلاة الجماعة مضمونة بإذن الله؛ لأن الهمة إذا ضعفت فإنها تضعف إلى درجة من الحق والخير، لكن إذا كانت غاية الهمة هي الاقتصار على الواجب، ثم حصل الضعف والفتور بعد ذلك، فسيحصل التقصير في الواجبات، وهذا حال كثير من الخلق إلا من رحم الله.