ويقول المؤلف رحمه الله: [فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيماً] ويل لمن يعترض على قضاء الله وأوامره، سواء كانت شرعية أو قدرية أو كونية، فيجب أن لا نعترض على رب العالمين؛ لأننا عباد مربوبون مخلوقون لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً، ولا يحق لنا إلا أن نسلم ونرضى بما قدر سبحانه وتعالى.
إن سبب اعتراض الناس على أحكام الله وأقداره ومجادلتهم له في آياته هو: أن القلوب ميتة أو مريضة، ومن هنا نقف على حقيقة عظمى مهمة ذكرها المصنف رحمه الله، وهي ظواهر وبواطن الناس؛ فلا يرى الناس من بعضهم إلا ظوهرهم وصورهم، فقد ترى إنساناً صحيح البدن قوي الجسم في نعمة من الله وعافية، وهو مع هذا مريض القلب، وليس مريضاً فحسب، بل قد يكون ميتاً لا حياة فيه، وقد يكون العكس. وهذا يراه المؤمن بعين البصيرة، فيميز من كان صاحب قلب حي عمن قلبه مريض أو ميت.
فالأساس في الناس ليس في المظهر والصورة، وإنما هو القلب، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبك} فالمؤمنون الذين ينظرون بنور الله سبحانه وتعالى، يزنون أنفسهم ويزنون الناس بهذا المعيار، لا يزنون الإنسان بماله أو وظيفته أو منصبه، بل يزنونه بقلبه؛ أحي هو أم ميت أم مريض؟ فإذا عرفوا الحياة في قلبه أحبوه وغبطوه وفرحوا بذلك، وإذا رأوا قلبه مريضاً أو ميتاً تألموا وحزنوا، وصاروا يبغضونه بقدر ما يرون فيه من بغض لما أنزل الله تعالى، ومن قسوة قلب، أو مرض عافانا الله وإياكم من ذلك.
فهذا هو معيار أولياء الله، ولكن الناس تطغى عليهم الشهوات والملذات، ويغترون بمتاع الحياة الدنيا، وتصبح نظراتهم مقتصرة على هذه المظاهر الكاذبة من المناصب، والشهادات والمراتب التي لا قيمة لها في الحقيقة، إذا تجردت عن حياة قلب سليم يضيء بنور الإيمان والتقوى والصبر واليقين.
هذا هو الأساس الذي يجب أن يعلمه الإنسان، وإذا صلح ذلك وكان القلب بهذه المثابة، فإن العقائد تصلح والعبادة تتقبل، والأخلاق تتقوم. فالأعمال كلها تكون فروعاً لذلك النور الوضاء، أما إذا فسد القلب وكدرته الشهوات والشبهات، فإن الإنسان مهما حاول بعد ذلك، وأراد أن يُلَبِّس أو يدلس على عباد الله، أو على رب العالمين سبحانه وتعالى، فإن الله مطلع على حقيقته، ولابد للخلق أن يعرفوا حقيقته ولو من لحن القول مهما تستر، كما فضح الله تبارك وتعالى أصحاب القلوب المريضة من المنافقين وأتباعهم، فالأمر خطير جد خطير.