ومذاهب وأقوال أهل الضلال في القرآن كثيرة:
الأول: أن كلام الله فيض من المعاني يفيض على النفوس، وهو قول
الفلاسفة وأشباههم، يقول
أفلاطون : يفيض من العقل الفعال أو العقل الأول، وهذا موجود في كلام بعض
الصوفية، ويرد أحياناً في كلام
أبي حامد الغزالي رحمه الله.
والثاني: أنه مخلوق، وهذا قول
المعتزلة .
الثالث: أنه معنى واحد قائم بالذات، وهو قول
الكلابية و
الأشعرية، ومن وافقهم في ذلك.
الرابع: قول من قال: إنه قديم النوع والآحاد، أي: حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل.
الخامس: أنه حروف وأصوات؛ ولكن تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلماً، أي: تحول من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي؛ وهو قول
الكرامية .
السادس: أن كلامه يرجع إلى ما يحدثه من علمه وإرادته القائم بذاته، وهو قول
ابن ملكا، و
الرازي أيضاً يميل إليه أحياناً، كما في كتابه
المطالب العالية .
السابع: أن كلامه يتضمن معنى قائماً بذاته هو ما خلقه في غيره، وهو قول
الماتريدية .
الثامن: أنه مشترك بين المعنى القديم القائم بالذات، وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات، وهذا قول بعض
الأشعرية كـ
أبي المعالي ومن اتبعه.
وهذه الأقوال قد سبق شرحها، ولا يهمنا منها إلا أن نعلم أنها على باطل، وأنها خاضت في القرآن بغير حق، وأنها جادلت فيه ومارت، وخرجت عما شرعه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وثبت في الأحاديث الصحيحة من تفسيره صلى الله عليه وسلم لما جاء في القرآن،
من أن الله تعالى كان وما يزال متكلماً، يتكلم متى شاء بما شاء، وأن القرآن كلام الله تعالى على الحقيقة، منه بدأ وإليه يعود، وأنه نزل به جبريل الروح الأمين على محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد صلى الله عليه وسلم نقله إلينا عن جبريل، عن ربه عز وجل كاملاً غير منقوص.
وقوله: "وهو كلام الله تعالى، لا يساويه شيء من كلام المخلوقين" فكما أنه سبحانه وتعالى لا يشبهه شيء من المخلوقين: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ))[الشورى:11] فكذلك ليس كمثله شيء في صفاته سبحانه وتعالى؛ كلامه وسمعه وبصره وحياته وقيوميته وإرادته ورحمته وكل صفاته.
ثم قال: "ولا نقول بخلقه" نص على هذه المسألة؛ لأن أشهر الفرق: من قال بخلقه، وما عداها من الأقوال فهي أقل منها ذكراً، وإن كان بعضها أشد كفراً، كقول الفلاسفة وأمثالهم.
لكن المعتزلة ومن تبعهم من الكلابية والأشعرية يوافقوننا على أن قول الفلاسفة كفر، ولكنهم يدعون أن ما هم عليه هو الحق، ومن هنا جاء التلبيس على الأمة.
ولا تزال هذه الاعتقادات الباطلة إلى اليوم؛ فـالروافض الشيعة الإثني عشرية على كثرتهم، والخوارج الإباضية؛ هم إلى اليوم يرون أن القرآن مخلوق على ما تقوله المعتزلة نصاً وحرفاً.
وأما الأشعرية فيفرقون بين الكلام النفسي والكلام اللفظي؛ فيقولون: إن الكلام النفسي غير مخلوق، وأما هذا فهو مخلوق، وهذا من التناقضات أو التلفيقات التي يريدون أن يوفقوا فيها بين الوحي والعقل بزعمهم، فهم لم يتبعوا السنة المحضة، ولم يتبعوا الاعتزال المحض، بل خلطوا بين القولين، وولدوا بينهما قولاً ثالثاً هو خطأ عند الطرفين المختلفين اللذين تنازعا في زمن الإمام أحمد رحمه الله؛ حيث تنازع الإمام أحمد رحمه الله مع المأمون والمعتصم وابن أبي دؤاد، فهؤلاء يقولون: مخلوق، وهو يقول: غير مخلوق، ثم تولد القول الثالث بعد ذلك وأُحدث على يد ابن كلاب وأمثاله، وانتشر وظهر.