والصابئون علم على أمة ورد ذكرها في القرآن، كما في قوله تبارك وتعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ))[البقرة:62]، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية هذه الأصناف الأربعة: الأول: المؤمنون، وهم كل من آمن بالرسل، ولكن يختصون كثيراً بمن اتبع محمداً صلى الله عليه وسلم، الثاني: الذين هادوا، ولم يقل: اليهود؛ وذلك لأن الذين هادوا هم الذين قالوا: ((إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ))[الأعراف:156] فهم الآيبون التائبون العائدون إلى الله؛ لأن (هدنا) بمعنى: تبنا أو عدنا؛ فإن أصول اللغة العربية والعبرية متقاربة، وهذه الكلمة مما هو مشترك بين اللغتين، فالله عز وجل أراد هنا الآيبين إلى الله، لا اليهود كلهم.
الثالث: النصارى، وهم الذين اتبعوا عيسى عليه السلام، الرابع: الصابئون.
وإذا نظرنا إلى ظاهر الآية -بغض النظر عن اختلاف العلماء في تفسيرها- فهمنا أن كل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فإن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجره ولا يحبط عمله، فله أجره عند ربه، ولا خوف عليه ولا هو يحزن، وله العاقبة الحسنى، وعمله مقبول ما دام مؤمناً بالله واليوم الآخر، عاملاً بالصالحات، سواء كان من الذين آمنوا أو من الذين هادوا أو من النصارى أو من الصابئين، وبناءً على هذا: فإن كل من آمن بنبي من الأنبياء، واتبع شرعه ودينه الذي جاء به؛ فإن الله تعالى لا يضيع عمله، سواء اتبع موسى وهم الذين هادوا، أو اتبع عيسى وهم النصارى، أو اتبع محمداً صلى الله عليه وسلم وهم الذين آمنوا.
إذاً: من اتبع محمداً صلى الله عليه وسلم مؤمناً بالله واليوم الآخر، عاملاً للصالحات، فله أجره عند ربه ولا خوف عليه ولا هو يحزن، وهكذا من اتبع موسى وكذلك عيسى عليهما السلام.
والذي يترجح من هذا ويظهر أن الصابئين هم من اتبع نبياً من الأنبياء، وعبد الله على شريعته، ولقي الله مؤمناً به غير مشرك، عاملاً بالأعمال الصالحة.
وقد اختلف السلف والمفسرون رحمهم الله في معنى الصابئين، ولعل مرجع الاختلاف هو أنهم نظروا إلى أن الصابئين عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم كانت تطلق على كل من فارق دينه إلى دين آخر، لكن لو نظرنا إلى الصابئين بغض النظر عن هذا، فإن كل نبي اتبعه قوم مؤمنون فإنهم مقبولون عند الله.
والذي يترجح أن الصابئين هم مَنْ عبد الله على دين إبراهيم عليه السلام، وقد قال بعض السلف : إنهم قوم من أهل الكتاب يقرءون الزبور، والزبور إنما أنزله الله عز وجل على داود، قال تعالى: ((وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا))[النساء:163]، لكن الراجح أنهم من آمن بصحف إبراهيم عليه السلام؛ لأن داود عليه السلام كان من قوم موسى، من بني إسرائيل، ومن أتباع شريعة التوراة.