نذكر بهذه المناسبة شيئاً مما يذكر ويكرر دائماً في علم النفس وما أشبهه، وهو يدل على علم الله سبحانه وتعالى بالأشياء قبل وقوعها، ولكن الذين لا يؤمنون بالله عز وجل لا يعلمون لذلك تفسيراً، وهو مسألة الرؤيا المنامية، فقد يرى الإنسان في المنام -سواء كان مؤمناً أم كافراً- أنه سيكون كذا وكذا، والذي يحدث أن ذلك يقع كما رأى، فهم يعجبون ويعجزون عن تفسير هذه الظاهرة، ولا يستطيع أحد أن ينكرها؛ لأنها متواترة، وربما لا يخلو إنسان إلا وقد وقعت له مؤمناً كان أو كافراً، فكيف يفسر هذا؟
وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم رؤى للمؤمنين وللكفار، وكلها تحققت، وذلك كرؤيا يوسف عليه السلام، ورؤيا الملك -عظيم مصر- مع أنه كافر، ومن المعلوم أن رؤيا الأنبياء حق وهي من الوحي، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رؤى وتحققت، لكن هذا ليس خاصاً بهم؛ بل أي إنسان ولو كان كافراً قد يرى رؤيا ثم يصبح خائفاً فزعاً يقول: رأيت البارحة أنه ستنزل بي مصيبة أو حادث، ويقع له فيما بعد نفس ما رأى في المنام، وهذا يدل على أن الأمور مكتوبة، وأن الله سبحانه وتعالى أطلعه على ذلك الشيء لحكمة ما، ومن تلك الحكم أن يثبت بها المؤمن ويروع بها الكافر، وقد تكون سبباً لهدايته إذا أراد الله له الهداية، أو لحكم أخرى عظيمة، لكن ما يقع لا يشبه الرؤيا من جميع الوجوه، وتكون الرؤيا كأنها نموذج يشبه البروفة للمسرحية قبل أن تنفذ، فإذا وقعت تتذكر أن هذا هو الذي قد رأيت وليس شيئاً جديداً، فلولا أن هناك شيئاً مقدراً مسبقاً لما تطابق عندك هذا الذي وقع مع ما قد رأيت من قبل، فعندما يرى الإنسان مثل هذه الرؤيا، مثلاً: إنسان غائب عنك منذ سنين، ولم يخطر على بالك أنك سوف تراه، وإذ بك في المنام تراه وتكلمه، وإذا به في اليوم الثاني يأتي إليك. سبحان الله! إنه شيء يثير تعجبك!
وهذا مما يدل على علم الله تعالى، وأنه قد يطلع العبد على أشياء مما سبق من العلم ليزداد المؤمن إيماناً، ولتقوم الحجة على الكافر، ولا يفقه ذلك إلا العالمون، ولا يقر به إلا المؤمنون بالله سبحانه وتعالى وبعلمه السابق؛ فإن كل ما سيكون فهو عند الله سبحانه وتعالى معلوم ومكتوب في اللوح المحفوظ، فإذا شاء الله أن يطلع العباد على شيء منه أطلعهم، وإن لم يشأ لم يطلعهم، وقد جفت الأقلام وطويت الصحف، والأمر قد قضي كله.
وهذا من الأدلة على هذه المسألة، فالذين أنكروا علم الله سبحانه وتعالى أول الأمر، وظنوا أن الأمر أنف -أي: مستأنف، وليس فيما قد سبق في علم الله- هؤلاء يعتبرون كفاراً؛ لأنهم أنكروا علم الله تعالى وكفروا وكذبوا بهذا الركن من أركان الإيمان كما جاء في حديث جبريل عليه السلام.